*عبد النبي الموساوي

3 مارس كان بالنسبة لنا نحن أبناء المدينة القديمة بالدار البيضاء جيل الستينيات، من الأيام التي كنا ننتظرها، بعد الأعياد الدينية، كنا ننتظره ونهيء له ونحن أطفال كل ما يمكن لنا من أخشاب وحديد وقماش وأفرشة، لبناء الحفلة بزقاقنا بين الجوامع، وما أن تهل الأيام الأولى لشهر مارس حتى تكون الحفلة قائمة، لا ينقصها سوى الشاي أو “المونادة” والبسكوي طبعا.

كما كانت المدرسة، تحتفل بهذا اليوم بعدما كانت الاستعدادات على قدم وساق قبل ذلك بأيام حتى يتم إختيار التلاميذ الذين سينشطون هذا اليوم منهم من سيفتتح بتلاوة القرآن، ومن من سيغني و منهم من سيرقص، إلى غير ذلك من الأنشطة، لكن قبل أن ينطلق الإحتفال كان لازما من الاستماع إلى الخطاب الملكي للراحل الملك الحسن الثاني، بعدها تنطلق فعاليات الإحتفال والذي يحضره كل الأطر التربوية للمدرسة وبعض التلاميذ المدعوين.

فالزقاق حيت نصبت “خزانة” الحفلة كنا نقوم بأنشطتنا البسيطة، قرع البندير و الطعارج، و الغناء..

كان على كل طفل أراد أن يشارك في أجواء الحفلة أن يقدم مساهمته المادية أو العينية، حيث كانت بعض الريالات تكفي أو إيزار أو بطانية للسماح له بالولوج وقضاء وقته في الحفلة، كما كنا نبيت داخل “لخزانة” مخافة أن تمتد إليها يد المخربين.

هذه الحفلة كانت تبقى قائمة إلى مابعد عيد العرش بأيام قلائل، وفي بعض الأعوام كنا ننافس كسكان، حول من ستكون حفلة الحي الذي ينتمي إليه أحسن من الأخرى، وهو ما تفوق علينا به أحد أبناء الحي حيث أقام حفلته بجانب منزله و أخرج تلفازه من النافذة، وجعل ثمن الدخول إليها بعشر ريالات، (50 سنتيم).

وأذكر أنه وبعد سنين من هذا التقليد لم نعد نهتم لهذه الحفلة فلقد تركنها للأجيال الصاعدة، بينما نحن الذين صرنا نتحرك في كل الاتجاهات للبحث عن الحفلات الكبيرة التي كانت تقام في ربوع المنطقة المجاورة للمدينة القديمة، فكان مقصدنا المرسى أي الميناء حيت كان هناك العديد من حفلات مهيئة، تنتظر الزيارة الرسمية لعامل العمالة لإعطاء إنطلاقة الاحتفالات.

كانت كل الاحتفالات تنطلق بعد الظهيرة، كان يصعب الولوج إلى بعض الحفلات بينما هناك حفلات كان مسموح بالدخول إليها، لم نكن نعرف سبب منع العموم، إلا بعد زمن.

كانت تلك الحفلات تقام على شرف العاملين وأسرهم، كان كل متدخلين في الميناء يحتفلون، الشركات، الجمعيات المهنية، النقابات، أرباب قوارب الصيد، كان يوم عيد العرش يوم نشاط بإمتياز.

ونحن كأطفال وحتى بعد أن أصبحنا يافعين، لانترك هذا اليوم يمر بدون نشاط، كنا كالنحل ننتقل من حفلة إلى أخرى سواء كنا جماعة أو أفراد، المهم عندنا هو الإحتفال.

ولا يفوتي هنا التذكير بما كانت عليه الشوارع الكبرى للدار البيضاء من زينة بالأعلام الوطنية و الإنارة الملونة وبناء أقواس النصر، ونصب صور كبيرة للحسن الثاني بالساحات العمومية، كما كانت هناك وفي كل عام أغاني جديدة تمجد المناسبة الجالس على كرسي العرش.

*ناشط جمعوي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *