
د. إدريس الفينة
تخلى المغرب، منذ مدة، عن المخططات واتجه نحو البرامج التي تنتجها الحكومات التي تفرزها صناديق الاقتراع.
لا بد أن نتساءل عن حصيلة هذا الانتقال وعن فائدة التخطيط في ظلّ الوضع الداخلي والعالمي الجديد. أكيد أن الديمقراطيات التي تبنت فرز النخب المكلفة بتدبير الشأن العامّ عبر صناديق الاقتراع كانت متاكدة من أن هذه الآلية تشكل السبيل الأمثل للتوفيق بين المشاركة العامة والفعالية، لأن هناك شبه يقين لديها أن التصويت يفرز النخب والكفاءات الحقيقية القادرة على تطوير الوطن وتحسين رفاهية المواطن.
وضع هذه الدول واضح من خلال مختلف مؤشرات التنمية لديها والتقدم السريع الذي حققته في كل المجالات. الدول التي تبنت نهج التخطيط، وعلى رأسها الصين، أظهرت خلال الثلاثة عقود الأخيرة قدرة كبيرة على تحقيق مستويات رفاهية مرتفعة لمواطنيها، أي أن التخطيط كنموذج لتحقيق الفعالية القصوى في تدبير الشأن العامّ فرض نفسه كتوجه جديد، في حين كان بالأمس غير مرغوب فيه، باعتبار أنه لا ينتج شروط الفعالية القصوى في تدبير الشأن العام ولا يسمح بتفعيل القدرات الداخلية ولا الاستغلال الأمثل للطاقات والموارد المتاحة.
اليوم علينا أن نتساءل عن جدوى النموذج الذي نحن بصدده، والذي لا يعتمد التخطيط الذي تركناه وراءنا ولا يعتمد صناديق الاقتراع كليا كما قد نظن. والدليل هو رداءة النخب التي تفرزها الصناديق مع كل ما يترتب على ذلك من صعف البرامج والسياسات العامة وهزالة النتائج المحققة.
أكيد أننا بين نموذجين وعلينا اختيار النموذج الذي من شأنه أن يرفع فعالية تدبير الشأن العام ويسمح من تحقيق مستويات مرتفعة لمؤشرات التنمية.
المواطن اليوم يعيش غبنا كبيرا، بل دوارا لأنه يصوّت على نخب ظانا أنها ستقود مسلسل التنمية بكل الجدية والأمانة المطلوبتين، ليجد نفسه في تردٍّ مسترسل لكل الأوضاع، وهو الخلل الذي يجعله غير مطمئنّ على مستقبله.
