​احتضنت قاعة “فاس المدينة”، اليوم الجمعة، يوماً دراسياً مفصلياً تحت شعار: “المكننة بقطاع الصناعة التقليدية بين التهديد والتجديد… أية آفاق لمستقبل الحرف الأصيلة؟”.

وقد شكل هذا اللقاء، الذي عرف حضوراً وازناً لمسؤولين جهويين ومنتخبين وأكاديميين وصناع تقليديين، منصة حيوية لقرع ناقوس الخطر حول “زحف الآلة” على حساب “لمسة اليد”، باحثاً عن خيط رفيع يجمع بين ضرورة مواكبة العصر وحتمية حماية الهوية الثقافية الوطنية.

​تحولات عميقة وتحديات الهوية

​في مداخلة تأطيرية، أكد موحى الريش، مدير المحافظة على التراث والابتكار بكتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية، أن القطاع يمر بمرحلة دقيقة وحساسة تفرض نقاشاً مسؤولاً.

وأوضح أن إدخال التقنيات الحديثة في بعض مراحل الإنتاج جاء مدفوعاً بتزايد الطلب واشتداد المنافسة الدولية، إلا أن هذا التوجه يثير في المقابل إشكالات جوهرية ترتبط بحدود استعمال المكننة ومعايير التمييز بين المنتوج التقليدي الأصيل والمنتوج الصناعي.

وانطلاقاً من هذا الوعي، شدد الريش على أن الوزارة تبنت نهجاً استباقياً يقوم على تثمين كل ما هو يدوي عبر اعتماد مواصفات مغربية خاصة وتطوير منظومة علامات الجودة، مع الحرص على إدماج بعدي التصميم والابتكار لحماية صحة المستهلك والبيئة في آن واحد.

​”المكننة المتوحشة” وتوجس الحرفيين

​من جانبه، استعرض محمد بلخياط، المدير الجهوي للقطاع، كيف أن إدخال آلات الليزر في حرف الزليج والنحاسيات والنجارة أفرز تداعيات مقلقة مست جوهر الحرفة التقليدية، مما تُرجم إلى نقاش عمومي ووقفات احتجاجية تعكس تخوفات حقيقية داخل أوساط المهنيين.

وفي السياق ذاته، اعتبر الناجي فخاري، رئيس غرفة الصناعة التقليدية بفاس، أن ظاهرة المكننة أصبحت بديلاً منافساً يهدد حرفاً عريقة كـ “الرشام” و”التخرام” بالانقراض، مؤكداً أن الغرفة تسعى للحد من هذا الزحف غير المؤطر عبر فتح قنوات الحوار مع كافة المتدخلين.

كما دعا فخاري إلى ضرورة انخراط الشباب في تعلم هذه الحرف لضمان توريث المهارات للأجيال المقبلة، مطالباً بإدراج الحرف الوطنية ضمن البرامج التعليمية الرسمية.

​الأكاديميا والسياسة.. جبهة موحدة لحماية التراث

​أما نائبة رئيس جهة فاس-مكناس، فقد كانت أكثر حزماً بوصفها لما يحدث بـ “المكننة المتوحشة”، داعية المنتظم الدولي إلى ضرورة التمييز الواضح بين نتاج الحرف اليدوية الأصيلة والمنتجات المميكنة، معتبرة أن الحل يكمن في دعم الصانع وتوفير الظروف الملائمة له بدلاً من تعميم المكننة.

ومن جانبه، أكد المصطفى أجاعلي، رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، أن الجامعة تضع خبراتها وبحثها العلمي رهن إشارة هذا الورش، مشدداً على أن الحرفي هو القلب النابض للموروث الحضاري، وأن الجامعة تسعى من خلال عرضها التربوي لتعزيز قدرات القطاع والتوفيق بين متطلبات الحداثة وصون الهوية الوطنية التي تعد مدينة فاس مرآتها الحقيقية.

​رؤية مستقبلية لضمان الاستدامة

​خلص المتدخلون في ختام هذا اليوم الدراسي إلى ضرورة بلورة رؤية وطنية مشتركة ومتوازنة تؤطر استعمال المكننة كعنصر إيجابي يخدم الفاعلين ولا يلغي القيمة الرمزية للمنتوج.

وأعرب المشاركون عن أملهم في أن تتحول التوصيات المنبثقة عن اللقاء إلى أرضية عملية لحماية التراث ودعم الصانع التقليدي، بما يضمن استمرارية الحرف اليدوية كركيزة أساسية للهوية الثقافية، مع حسن توظيف التكنولوجيا لتعزيز التنافسية والجودة في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم.

Le12.ma

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *