لم تتأثر رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس لحسن الجوار الممكن، بكل المناورات الصادرة عن الحاكمين في الجزائر، بل بقيت الرباط صامدة على حسن الجوار ولباقة دبلوماسية في التعامل.
*عادل الزبيري
مرة أخرى، اختار العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بكل شجاعة، أن يوجه رسائل إيجابية إلى الجار الشرقي، الجزائر، مواصلاً نهجًا حكيمًا يقوم أولًا على مد اليد، وثانيًا على الإيمان بوحدة المصير المشترك، الضارب جذوره في التاريخ.
منذ اعتلائه العرش في صيف عام 1999، اختار الملك محمد السادس نهجًا خاصًا به، يُعرف بسياسة اليد الممدودة نحو الجزائر، سياسة تنطلق من إرادة صادقة في بناء علاقات حسن جوار، رغم كل المناورات الصادرة عن حكام الجزائر.
ورغم كل التحديات، حافظت الرباط على تمسكها بحسن النية واللباقة الدبلوماسية في التعامل.
تستمد هذه السياسة الملكية المغربية روحها من إرث الملك الراحل الحسن الثاني، الذي نجح في أواخر القرن العشرين في جمع قادة دول المغرب العربي فوق منصة قصر البلدية في مراكش، لرفع الأيادي الخماسية المتشابكة، معلنين ميلاد اتحاد المغرب العربي، في لحظة تاريخية غير مسبوقة في المنطقة.
الملك محمد السادس يحمل شجاعة أجداده من الأسرة العلوية، الذين آمنوا عبر التاريخ بالمشترك الإفريقي، والعربي، والإسلامي، والأمازيغي. وتحولت تلك الروافد الحضارية إلى نص دستوري صوت عليه المغاربة بنسبة شبه إجماع سنة 2011.
وفي خطاب العرش لعام 2025، وجّه الملك محمد السادس رسائل واضحة إلى الجزائر، مؤكداً أن الرباط تواصل مد يدها من أجل حوار مفتوح يشمل جميع الملفات، خدمةً لمستقبل مغاربي وإفريقي مشترك. إنها رؤية شجاعة تستحق التنويه، فالمواقف التاريخية لا يصنعها إلا الكبار من القادة.
ولم يسبق للمغرب الرسمي أن أساء إلى الشعب الجزائري الشقيق، كما وصفه الملك محمد السادس في أهم خطاب سنوي، مؤكداً على صدق الأخوّة باسم جميع المغاربة تجاه المواطنين الجزائريين.
يعرف المغرب جيدًا أهمية علاقات الجوار المغاربية والإفريقية، لذلك لا يتوانى الملك محمد السادس في إطلاق مبادرات متتالية لتعزيز العمل المشترك مغاربيًا وإفريقيًا، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن وحدة الماضي تفرض وحدة المصير المشترك. وهذه قاعدة استراتيجية يدركها المغرب جيدًا.
تحت قيادة العاهل المغربي، اختار المغرب دبلوماسية الوضوح في مواقفه تجاه الأعداء والأصدقاء، ونجح في إقناع خصوم وحدة ترابه الوطني، في ملف الصحراء المغربية، بالتحول إلى شركاء وفق منطق المصالح المشتركة، وعلى أساس رابح – رابح.
وتؤكد هذه الرؤية الملكية البعيدة المدى أن الرباط تظل منفتحة على تحقيق اختراق في حالة الجمود الطويل جدًا الذي يطبع العلاقات مع الجزائر، رغم أن قصر المرادية يواصل – للأسف الشديد – بناء حضوره الدولي على العداء الممنهج تجاه المغرب، عبر دعم مالي مستمر لكيان وهمي موجود في مخيمات تندوف داخل التراب الجزائري.
يمتلك الملك محمد السادس رؤية استراتيجية شاملة لإفريقيا، وللجزائر الجارة الشرقية، وهذا ما تؤكده خُطَبه الرسمية ومبادراته الجريئة في القارة الإفريقية.
*كاتب /صحفي
