حدد مشروع قانون المالية برسم سنة 2026، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، أربع أولويات كبرى ترسم معالم مرحلة جديدة، وفق ما جاء في المذكرة التوجيهية للمشروع التي وجهها رئيس الحكومة إلى القطاعات الوزارية.
تحليل إخباري: محمد ابن ادريس
من المؤكد أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 يحدد، تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية، أربع أولويات كبرى ترسم ملامح مرحلة جديدة، وذلك وفق المذكرة التوجيهية المؤطرة لهذا المشروع، الموجهة من طرف رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، إلى كل القطاعات الوزارية.
وهكذا، تنتظر البرلمان، بمجلسيه، ومؤسسات البلاد، دخولا سياسياً على درجة عالية من الأهمية والكثافة والأجندة السياسية، والسبب أن المؤسسة التشريعية ستفتتح، في أكتوبر المقبل، السنة الأخيرة من الولاية التشريعية الحالية قبل الانتخابات التشريعية المقبلة. وفي الأثناء، يُرتقب أن تصل إلى البرلمان، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، مشاريع قوانين استراتيجية، وفي مقدمتها القوانين الانتخابية. وقد تم تحديد الاتجاه العام من خلال خطاب العرش في نهاية يوليوز الماضي.
فعلى بعد سنة تقريباً من موعد الانتخابات التشريعية المقبلة، المقررة في أجلها الدستوري والقانوني العادي، أكد جلالة الملك محمد السادس على ضرورة إعداد القانون العام للانتخابات بمجلس النواب، حتى يتم اعتماده ونشره للعموم قبل نهاية السنة الجارية. وفي هذا الصدد، أصدر عاهل البلاد تعليماته السامية إلى وزير الداخلية لكي يحظى الاستحقاق التشريعي المقبل بإعداد محكم وجيد، وأن تُفتح لهذا الغرض مشاورات سياسية مع مختلف الفاعلين المعنيين، وذلك في خطابه الموجه إلى شعبه الوفي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء جلالته عرش المملكة.
وهكذا، يتعيّن على الأحزاب السياسية أن تُقدّم إلى وزارة الداخلية، قبل نهاية شهر غشت، مقترحاتها بشأن الإطار المنظم للانتخابات التشريعية لسنة 2026، من أجل دراستها والاتفاق على التدابير التشريعية الواجب إعدادها، وإحالتها على المسطرة التشريعية خلال الدورة البرلمانية الخريفية المقبلة، قصد المصادقة عليها قبل نهاية السنة، تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية.
إعداد مشروع ميزانية 2026: أولويات استراتيجية
مشروع قانون آخر سيحظى بالاهتمام مع افتتاح دورة الخريف، وهو مشروع قانون المالية لسنة 2026.
ويتم إعداد قانون المالية السنوي بالاستناد إلى البرمجة الثلاثية للميزانية. وتشمل عملية إعداد مشروع قانون المالية للسنة عدة مراحل كما هو جار به العمل كل سنة.
فقبل 15 يوليوز، عرض الوزير المكلف بالميزانية، في مجلس الحكومة، حصيلة تنفيذ قانون المالية الجاري، وقدم البرمجة الثلاثية للموارد والنفقات، إضافة إلى الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية.
وقبل 31 يوليوز، قدم الوزير نفسه الإطار العام للإعداد أمام لجان المالية بالبرلمان، متضمناً تطور الاقتصاد الوطني، وحصيلة تنفيذ قانون المالية حتى 30 يونيو، والمعطيات الخاصة بالسياسة الاقتصادية والمالية، والبرمجة الثلاثية الشاملة.
وخلال شهر غشت، وجّه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، مذكرة تدعو القطاعات الوزارية إلى إعداد مقترحاتها بشأن المداخيل والنفقات للسنة المقبلة.
وفي شهري شتنبر وبداية أكتوبر، يتم تجميع ودراسة مقترحات القطاعات، خاصة ما يتعلق بالمداخيل والنفقات ومشاريع الأداء، في إطار اللجان المختصة، مع إعداد الصيغة النهائية لمشروع قانون المالية والوثائق المرافقة له، على أن يتم إيداع المشروع بمكتب مجلس النواب في أجل أقصاه 20 أكتوبر.
وخلال الثلاثين يوماً الموالية، يُعرض المشروع على المناقشة والتصويت.
ويحدد مشروع قانون المالية لسنة 2026، تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية، أربع أولويات كبرى:
– ترسيخ المملكة كدولة صاعدة؛
– تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والمجالية؛
– تعزيز أسس الدولة الاجتماعية وتسريع الإصلاحات الهيكلية الكبرى؛
– الحفاظ على توازن المالية العمومية.
إصلاح مدونة الأسرة ومنظومة العدالة
من المنتظر أن تشهد الأشهر المقبلة استمرار النقاش حول مشروع إصلاح مدوّنة الأسرة، بعدما قدّمت الهيئة المكلفة بمراجعة المدوّنة إلى جلالة الملك، بعد انتهاء مهمتها في الآجال المحددة، تقريراً يتضمن أكثر من 100 مقترح تعديل.
وفي ما يخص المرحلة التشريعية للمراجعة، وما سيتبعها من مناقشات وتصويت في غرفتي البرلمان، ذكّر جلالة الملك بالمرجعيات والأسس المؤطرة للإصلاح، كما وردت في الرسالة الملكية الموجهة لهذا الغرض.
وتشمل هذه الأسس مبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام التي تدعو إليها الشريعة الإسلامية، إضافة إلى القيم الكونية المنبثقة عن الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
وأكد جلالته ضرورة استحضار إرادة الإصلاح والانفتاح على التقدم التي أرادها عبر إطلاق هذه المبادرة، بعد عشرين سنة من دخول المدوّنة حيز التنفيذ، وضمان حماية الأسرة على المستويات القانونية والاجتماعية والاقتصادية.
كما شدد جلالته على وجوب إدراك مضمون الإصلاح في إطار تكاملي، بحيث لا يميز بين طرف على حساب آخر، بل يهم الأسرة المغربية باعتبارها “الخلية الأساسية للمجتمع”، مع الحرص على صياغة ما سبق في شكل قواعد قانونية واضحة ومفهومة، لتفادي القراءات القضائية المتناقضة وحالات الخلاف في التفسير والتأويل.
كما يُنتظر عرض مشاريع قوانين أخرى مرتبطة بإصلاح منظومة العدالة، منها مراجعة القانون الجنائي، وإصلاح المهن القضائية، ومراجعة الخريطة القضائية.
على سبيل الختم
يعكس مشروع قانون المالية لسنة 2026 توجهات واضحة تهدف إلى ترسيخ مكانة المغرب كدولة صاعدة تعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في آن واحد، مع الاهتمام بتحقيق التوازن بين الجوانب الاقتصادية والعدالة المجالية والاجتماعية، بالإضافة إلى تسريع الإصلاحات الهيكلية والحفاظ على استقرار المالية العامة.
ويأتي هذا المشروع ضمن إطار أوسع لدخول سياسي مكثف تستعد فيه البلاد لاستحقاقات انتخابية هامة، حيث تؤكد التوجيهات الملكية على أهمية إعداد قانون انتخابي محكم يضمن شفافية ونزاهة العملية الانتخابية عبر مشاورات موسعة مع الفاعلين السياسيين.
أما الإصلاحات التشريعية المرتقبة، خاصة في مدونة الأسرة ومنظومة العدالة، فهي تعكس رغبة في تحديث الأطر القانونية بما يواكب تطلعات المجتمع المغربي، مع الحرص على مبادئ العدل والمساواة والتكامل، والحفاظ على استقرار الأسرة باعتبارها نواة المجتمع.
بشكل عام، تعكس أوراش 2026 دينامية إصلاحية متكاملة تستهدف التنمية المستدامة وتحسين الحكامة السياسية والقانونية، بما يتماشى مع توجهات جلالة الملك للحفاظ على مكتسبات البلاد ومواجهة تحديات المستقبل.
