شهد المغرب في الآونة الأخيرة حراكاً شبابياً بارزاً عُرف باسم “جيل زد” (Gen Z 212)، عبّر من خلاله الشباب عن مطالبهم المتعلقة بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ومحاربة الفساد.
وفي ظل هذا المشهد، جاء الخطاب الملكي لجلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة ليثير تساؤلات حول مدى استجابته لهذه المطالب المتصاعدة.
الخطاب الملكي بين الإشارة والتوجيه
جاء الخطاب الملكي، الذي أُلقي يوم الجمعة، حاملاً رسائل قوية وموجهة إلى كافة الفاعلين السياسيين والإداريين.
وعلى الرغم من أن الخطاب لم يذكر “جيل زد” صراحة، إلا أن مضامينه عكست وعياً كبيراً بالتحديات التي تقف وراء الحراك الشبابي، ويمكن قراءتها على أنها استجابة ضمنية ومؤسساتية للمطالب المشروعة.
وقد ركّز الخطاب على محاور عدة، أبرزها تسريع وتيرة العمل وتنزيل الأوراش المفتوحة، حيث وجه الملك توجيهاً واضحاً للحكومة والبرلمان بضرورة مواصلة العمل بفعالية وضمان استمرارية الأوراش التنموية الكبرى.
وقد رأى فيه بعض المحللين رداً على المطالب الشبابية التي دعت إلى إقالة الحكومة، إذ يؤكد على عدم تعطيل مسار الإصلاح والاستقرار المؤسساتي.
كما ركز الخطاب الملكي على العدالة الاجتماعية والمجالية، حيث أكد جلالة الملك على ضرورة تحقيق عدالة اجتماعية ومجالية أكبر من خلال تسريع إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية.
وهذا يتطابق مع جزء كبير من مطالب “جيل زد” الذي يرفع شعار محاربة الفساد والفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الشباب في مختلف ربوع المملكة.
كما شدد الخطاب على تحمل المسؤولية والنزاهة، حيث أكد جلالته على أهمية أن يكون البرلمانيون والمسؤولون في مستوى الثقة الموضوعة فيهم، وأن تتطلب خدمة الوطن منهم النزاهة والالتزام ونكران الذات، في إشارة قوية إلى ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة مظاهر الفساد.
على الجانب الآخر، لقي الخطاب الملكي ترحيبا ضمنيا من طرف “جيل زد” والمهتمين بالملف الشبابي، حيث يرى البعض أن توجيهات الملك حول تسريع الإصلاح، ومحاربة الفساد، وتحقيق العدالة المجالية، تشكل نقطة التقاء مع جوهر مطالب الحركة.
فمنذ سنوات، ظل الخطاب الملكي يضع قضايا الشباب والتمكين في صلب الأجندة الوطنية، واصفاً إياهم بـ”الثروة الحقيقية” للأمة.
وفي هذا السياق، تكمن قوة الخطاب في كونه اعتمد المقاربة المؤسساتية لتمرير الرسالة، حيث حوّل الاهتمام من مجرد احتجاج عابر إلى توجيه سياسات عمومية ومساءلة للجهات التنفيذية والتشريعية.
إن الخطاب الملكي، برسالته التي تدعو إلى تكثيف العمل وتطبيق القانون بكل نزاهة والتزام، وضع الحكومة والأحزاب السياسية أمام مسؤولية تاريخية.
لم يأتِ الخطاب بأجوبة جاهزة أو حلول سحرية، بل أكد على الخيار الإستراتيجي للإصلاح وضرورة تسريع تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي يركز على قضايا التشغيل والتعليم والصحة.
الاستجابة الحقيقية لمطالب “جيل زد” لن تكون في الخطابات، بل في التطبيق الميداني الفعال للتوجيهات الملكية.
فـ”جيل زد” ينتقل من مجرد التعبير عن المطالب إلى تقديم وثائق مطلبية كاملة وخارطات طريق للإصلاح، مما يفرض على الدولة الاستجابة عبر إجراءات عملية وسريعة وملموسة تترجم هذا الوعي الملكي بتحديات الشباب إلى واقع ملموس.
إدريس لكبيش / Le12.ma
