حاورته: صوفيا العمالكي

صاحب إنتشار فيروس كورونا في المغرب، العديد من التصرفات “الصبيانية”، بحيث في مقابل الجدية والصرامة التي تعاملت به الدولة مع وباء كورونا القاتل، نجد البعض إستغل هذا الأمر للترويج لمواد ساخرة سواء من مغاربة العالم أو ضحايا الفيروس في الداخل وبلاغات كاذبة للأرقام المخصصة للإبلاغ عن حالات مشتبه فيها، وهو الأمر الذي تواجهه السلطات الأمنية بشكل يومي أدى إلى توقيف المئات عبر المملكة.

وللحديث عن هذا الموضوع، تواصلت جريدة Le12.ma، مع يونس التايب، متخصص في الحكامة المحلية والإدماج الاجتماعي والاقتصادي، وكانت هذه أجوبته عن ثلاثة أسئلة:

 مع تفشي فيروس كورونا، لاحظنا استهزاء العديد من الناس من الوضع في البداية. ما رأيكم في ذلك؟

 أولا يجب التنبيه إلى أن ظاهرة الإستهزاء في حالة “وباء كورونا”، سلوك سقط فيه أشخاص من مستويات اجتماعية ومهنية مختلفة، وتم إما بسبب الجهل أو الغرور أو قلة أدب و أخلاق.

وأظن أننا وجدنا كل تلك الأسباب حاضرة في سلوك المستهزئين. و بالتالي، علينا أن ننظر إلى الموضوع من الزاوية القيمية في المقام الأول.

كلنا نتذكر كيف أننا قبل الأزمة كنا مُنهمكين في نقاش طُغيان ظاهرة “التفاهة و الرداءة” التي ألقـت بظلالها على الفضاء العام، و خصوصا الفضاء الإعلامي العمومي و الخاص. ولاحظنا كيف أن الذوق العام تدنى وظهـرت تجليات ذلك من خلال تواصل البعض و “إبداعات” البعض الآخر. مما جعل الاستهزاء يصبح سلوكا عاديا لا ينتبه أحد إلى خطورته.

ثم فجأة ظهر الوباء، بما يفرضه من وجوب التعاطي الجاد مع الأمر و مع مقتضيات وإجراءات التصدي له. وهنا، جزء من المجتمع استطاع التقاط الإشارة بدقة و حساسية المرحلة، فابتعد عن الاستهزاء. فيما البعض الآخر ظل بين منزلتي التسفيه و الاستهزاء، عن جهل بالقانون وعن قلة أخلاق و ضعف الإحساس بالمسؤولية و المواطنة. وهذا الأمر و إن كان غير مقبول، إلا أنه طبيعي بالنظر إلى السياق الذي أوضحته لكم.

المهم هو أن نشتغل على هذا الموضوع، بعد انتهاء الأزمة و انتصار الأمة المغربية على الوباء، و أن نحسم أمرنا بشكل قوي و صارم بشأن مكانة وطبيعة القيم الواجب احترامها في حياتنا المجتمعية، سواء القيم الأصيلة من تراثنا الديني و الأخلاقي، أو قيم المواطنة و السلوك المدني، و الحرية و ضوابطها، والاختلاف والحق فيه، والحقوق من حيث معناها وحدودها وما تفرضه من واجبات والتزامات. نحن في المغرب نمتلك مقومات هائلة كي نعيش أصالتنا بانسجام مع طموحاتنا لعيش معاصرة واجبة وضرورية. كما أننا نمتلك الذكاء و العبقرية لنعيش معاصرتنا هاته في احترام لأصالتنا، بدون غلو و لا تفريط و لا انفعال. أظن أن ورشا كبيرا ينتظرنا في هذا الباب.

 الاستهزاء قاد الكثيرين للإعتقال. هل تتفقون مع ذلك؟

 المبدأ الذي لا نقاش فيه هو وجوب احترام القانون و تطبيق القانون. و نحن الآن في خضم حالة الطوارئ الصحية التي تستند على القانون و تُمارس مقتضياتها بالقانون. وبالتالي لا مكان للعبث و لا لأية سلوكات من شأنها الإضرار بالمجتمع. 

حالات الإعتقال لبعض الأشخاص الذين روجوا معلومات خاطئة و فبركوا وقائع غير صحيحة، يمكنها أن تحدث آثارا مجتمعية خطيرة تهدد الطمأنينة و السكينة، هي حالات تمت تحت مقتضيات القانون و بإشراف النيابة العامة. ولم يحدث أن مواطنا احترم القانون، و عبر عن رأيه عبر شبكات التواصل الاجتماعية تعرض للمسائلة. لم يحدث الإعتقال إلا في حالة من نشر اعتداءات لفظية على فئات من المجتمع، أو تهجم على أشخاص و على أعراضهم، أو سفه مجهودات السلطات العمومية ليس من منطق الحق في التتبع و المسائلة و لكن من باب التحريض و الاستفزاز و ترويج البلبلة بنية مغرضة. و هذا غير مقبول.

يجب أن نكون واعون بأن الظرف حساس و خطير في أبعاده الصحية على كل المواطنين، و بالتالي على الوطن أجمع. هذا ليس وقت اللهو عبر منصات التواصل الاجتماعي، و لا هو وقت إحباط همم المواطنين و أبناء المغرب المقاومين للوباء. وسيكون من الحمق أن نعتقد أن حق “مواطن” في أن يعبث و يستهزأ و يلهو، أهم من حق الأمة المغربية في الحماية و في الانتصار على الوباء، عبر احترام مقتضيات القانون وتوجيهات السلطات العمومية المكلفة بتنزيل استراتيجية الدولة المغربية في هذه المعركة.

 هل يمكن القول أن الاستهزاء بالفيروس و بالوضع هو في حد ذاته خوف من الواقع؟

 أكيد أن الخوف حاضر، حتى و لو لم يشعر به المستهزئون. هم أيضا خائفون ، و لكن جهل البعض و غرورهم، يدفعهـم لسلوك الاستهزاء لتفادي تبعات مواجهة عقلانية لحقيقة الوباء وما تفرضه من تغييرات في السلوكات الفردية و الجماعية. ولكن، على العموم الخوف لا يجب أن يُبرر الاستهزاء أو يجعلنا نستمر في قبول التعايش مع التفاهة وتمجيد التافهين و صناعة المزيد من “الكراكيز” التي بينت الأزمة الحالية أنهم لا يؤثرون حقا ولا ينفعون الوطن في ساعة الجد.

أجزم أن من يشعر بالخوف يجب أن يعي أكثر من غيره أهمية المصير المشترك و يعيـد ترتيب علاقاته مع “الآخر” على قاعدة الاحترام و التوقير و التعاون على المصلحة الجماعية و العامة. لذلك قلت لك قبل قليل بأن المسألة قيمية بالأساس، و يجب أن نتعاطى معها على هذا النحو بموضوعية و بيقين تام بأن التحديات التي سيحملها المستقبل، لأمتنا المغربية و لباقي البشرية، ستشكل منعطفات حادة و بديناميكية قوية وبنتائج قد تكون مُزلزلة لعدة يقينيات و تمثلات عن الذات و عن المحيط الدولي. و لن يكون ممكنا التعاطي مع كل ذلك إلا بكثير من العقل والحكمة و الجدية و الاحترافية في التدبير، وباحترام القانون والانضباط له، والانصهار في ذات مجتمعية مغربية خالصة وطموح وطني ملحمي يعلي مصلحة الوطن على الأنا وغرور الأفراد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *