حسن البصري

قطع عبد الصمد الزلزولي حبل الود مع المغرب، حين أقدم على حذف عبارة “لاعب المنتخب المغربي” من حسابه الرسمي في الانستغرام، وأعلن براءته من تشكيلة وحيد قبل ساعات من الإقلاع صوب الكاميرون لخوض نهائيات كأس الأمم الإفريقية. 

غضب المغاربة من عبد الصمد، واعتبرته الجارة الشرقية “زلزالا” ضرب كيان منتخبنا، بقوة خمس صفعات على سلم الوطنية. 

انتابت المغاربة نوبة قلق من موقف لاعب البارصا حتى كادوا أن يعلنون الردة عن ملة برشلونة، أعرضوا عن هذا النادي لأن فتاهم المدلل الذي كان يصلي على قبلة المغرب سرعان ما عاد لعصر الوثنية.

طلب الزلزولي مهلة للتفكير حددها في ثلاثة أشهر، اعتبرها الإسبان فرصة للتكفير، والحال أنها فرصة للتكفير عن قرار متسرع. 

لا أحد يفهم كيف ارتدى العصفور ريش خفاش، وقرر فجأة الامتناع عن التحليق في سماء الوطن. لكن علينا أن نجفف دموعنا ونتوقف عن نظم قوافي الرثاء، فالزلزولي لا يملك سوى عقلا مدبرا وقدمين. 

 هكذا اختار الفتى الملالي الأصول، تمديد مقامه في قلعة “البارصا”، حتى ينعم برسميته ويتسلم أوراق اعتماده، ويستنشق هواء النجومية من عشب لطالما ركض فوقه ميسي.  

ليس الزلزولي هو النجم الوحيد الذي اختار عزف نشيد وطني غير “منبت الأحرار”، فكثير من اللاعبين المغاربة دافعوا عن قمصان دول أوربية وخليجية، منهم من كان دافعه مجرد نزوة عابرة، ومنهم من تمرد على التنكر وأعلن تحوله إلى قط وحشي. 

لن يكون الزلزولي آخر الأقدام المهاجرة، ولن يكون آخر المتمردين، فقد عشنا نحن معشر الرياضيين هجرة القفازات وسفر الطبول ورحيل الصفارات واغتراب الحناجر، وكل الكفاءات التي ظلت ترتب أحلامها كلما وضعت رؤوسها على وسادة النوم.

لم يهاجروا ابتغاء العلم، لأن التعليم في بلدنا مجرد “إبراء ذمة”، بل فضلوا الهجرة تحت إكراه الزمن، ابتغاء لقمة عيش مبللة برذاذ الصقيع والمطر، منهم من أدار ظهر للوطن ومنهم من ينظر إليه من ثقب الباب، منهم من يحقق الانتصارات ومنهم من قضى حياته مغلوبا ذهابا وإيابا. 

وددت لو أن كمية الحبر التي سكبت على الزلزولي، ومئات الكلمات التي ناشدته بالعدول قراره، وأكف الضراعة التي رفعت إلى السماء كي يعدل عن الشقاق، قد أهدرت ابتغاء استقطاب مئات الكفاءات المغربية المهاجرة، وإقناع الأدمغة والسواعد المغتربة بالعودة إلى الوطن والمساهمة في بناء نموذج تنموي صنع مغربي.

ماذا يستطيع الزلزولي وزياش ومزراوي أن يفعلوا؟ قد يسجلون هدفا أو يصدون غارة للخصوم، أو يرسمون ابتسامة وينتزعون فرحة من دواخل المشجعين، لكنهم أبدا لن يغيروا شيئا في مؤشر الهشاشة ولن يرفعوا معدل النمو الاقتصادي أو يخفضوا نسبة البطالة. قد يبنون قنطرة صغيرة بين قدمي لاعب لكن بناء قناطر وجسور كبرى ليس همهم. 

للأسف لقد لبسنا قشرة الاحتراف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *