فكلٌّ من الاستقلال والبام بدآ، منذ الآن، سباق 2026، وكلٌّ منهما يبحث عن طريقة لركوب موجة الغضب الشعبي واحتجاجات جيل Z دون أن يتلطّخ بتراب المسؤولية.
*جواد مكرم
يبدو أن برنامج “نكونو واضحين” على القناة الثانية، الذي بُثّ مساء الأحد 5 أكتوبر، كان أوضح مما تخيّل ضيوفه. لم يكن حوارًا عن احتجاجات الشباب بقدر ما كان محكمة كبرى لمحاسبة المتنكرين في ثياب الأبرياء.
جلس في القفص كل من نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، ونجوى كوكوس، رئيسة برلمان حزب الأصالة والمعاصرة، وتحت الأضواء سقطت الأقنعة، واحدًا تلو الآخر، في مشهد من مشاهد الهروب الكبير من أهوال يوم الحشر السياسي.
تماما مثلما جاء في الآية الكريمة، التي تصف المشهد في سورة عبس: “يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ”…
وبالفعل، فرّ نزار بركة من الحكومة، التي يشارك فيها باكثر من ثلاثة حقائب، كمن يفرّ من قدرٍ محتوم.
وتبرّأت نجوى كوكوس من التحالف، الذي منح حزبها مفاتيح أكثر من ثلاثة وزارات وازنة، كمن يهرب من وصمةٍ سياسية. كلاهما كان يتحدّث لا كمكوّن في الأغلبية، بل كناقدٍ ساخطٍ عليها.
تصرف جبان من بدون بركة، صدر من زعيم الاستقلال الذي يحلم برئاسة حكومة 26، حاول إظهار رئيس الحكومة. الحالي كما لو أنه يدير الحكومة بمرسومٍ فرديّ من السماء لا بتحالف حكومي!.
وهذه لعمري، ليس صفة من صفات رجل دولة، بقدر ما هي صفة غدر سياسي، وهروب غير مفهوم منّ المسؤولة، فضحت صاحبها أمام المغاربة وعلى المباشر.
نجوى كوكوس، بلهجة حادة وملامح متشنّجة، أطلقت الجملة التي ستدخل التاريخ السياسي من باب الكوميديا السوداء: “الأغلبية الحكومية بوحدها، والأغلبية البرلمانية بوحدها، وأنا ماشي وزيرة الله يخليك فالحكومة”!.
وعلاش جاية!؟
جميل! كأنها تقول لنا إن حزبها يعيش في عالمٍ برلماني موازٍ، لا علاقة له بالحكومة التي وقّع على ميثاقها، وصوّت على قوانينها، واستفاد من كعكتها!.
أما نزار بركة، فاختار طريق التذاكي: “أنا حاضر بصفتي أمين عام لحزب الاستقلال”. بعبارة أخرى: “أنا وزير ولكن ماشي بزّاف”! موقف أثار سخرية المغاربة، الذين لم يروا فيه سوى محاولة بئيسة للهروب من المسؤولية، و”غسل اليدين” من قراراتٍ كان حزبه أحد مهندسيها.
المشهد كله يثير الشفقة والضحك في آنٍ واحد: حزبان من داخل الحكومة يتبرآن من الحكومة نفسها، ويقذفان بالحجارة من داخل البيت! أليست هذه أهوال السياسة حين يفرّ الحليف من حليفه، ويتبرأ الوزير من وزارته، ويصير رئيس الحزب مجرد متفرّجٍ على قرارات حكومته؟.
لكن وراء هذا “الفرار السياسي” حسابات انتخابية مشتعلة.
فكلٌّ من الاستقلال والبام بدآ، منذ الآن، سباق 2026، وكلٌّ منهما يبحث عن طريقة لركوب موجة الغضب الشعبي واحتجاجات جيل Z دون أن يتلطّخ بتراب المسؤولية.
إنها خطة قديمة بوجه جديد: من جهة، استغلال الشارع لطحن الأحرار ورئيسه، ومن جهة أخرى، تلميع صورتيهما على حساب من يقود فعلياً التحالف ويتحمّل مسؤوليته كاملة أمام الجالس على العرش، وأمام الجالسات والجالسين تحت قبة البرلمان، وأمام الرأي العام…
وتلك هي المعضلة، التي أسقطت مرامي الكائنين الهاربين بركة وكوكوس ومن معهما، لأن المفارقة الصارخة أن أخنوش لم يهرب، ولن يهرب. لم يقل “أنا رئيس حزب فقط”، ولا قال “أنا ماشي بوحدي فالحكومة”، بل واجه العاصفة بحكمة سياسية متزنة، وتحركات ميدانية هادئة، وترك للناس أن يقارنوا بين رجلٍ يتحمّل وبين حليفين يتهرّبان! .
وفي اللحظة، التي كان فيها بركة وكوكوس يُبرّئان نفسيهما على المباشر، كان أخنوش، بترفّعه، يبرّئ التحالف من العبث السياسي ذاته…
والنتيجة؟ أن الشارع لم يصدق المتنصلين، ولم يشفق على الهاربين، بل رأى في مشهدهم علامة ضعفٍ وخوفٍ وهروب وتناور انتهازي…
هي فعلاً أهوال يوم الحشر السياسي،حين يقف كلٌّ من الاستقلال والبام على منصة الحساب،فيرددان: “ما كنا وزراء، وما شاركنا، وما فعلنا!”.
لكن الشعب يعرف، والشاشة شاهدة، وذاكرة المغاربة لا تمسح بسهولة.
فيا من تنكّرتم اليوم لحليفكم ولقراركم،نُوضوا على سلامتكم حتى ليوم القيامة، وهربوا من بعضياتكم،راه حنا مازال فالدنيا،حيث لا يفرّ البام والاستقلال من لعق عسل السلطة، حتى لو واجههما جيل زيد بالإدانة وطالبهما بالاستقالة!.
