اللبتثار بمناسبة كل محطة انتخابية مسألة المؤهل العلمي والأكاديمي للمترشحين للانتخابات، في ظل وجود منتخبين وبرلمانيين أميين لا يحسنون القراءة والكتابة.
عن هذا الموضوع، يتحدث الى جريدة le12.ma، محمد أنور الهزيتي، الباحث المتخصص في الشؤون السياسية.
حوار- م.س /le12
تثار بمناسبة كل محطة انتخابية مسألة المؤهل العلمي والأكاديمي للمترشحين للانتخابات، في ظل وجود منتخبين وبرلمانيين أميين لا يحسنون القراءة والكتابة، كيف تقيمون النقاش حول هذا الموضوع؟
في الواقع، النقاش حول المؤهل العلمي والأكاديمي للمترشحين للانتخابات في المغرب هو نقاش مشروع ومهم، ويتكرر كل مرة مع اقتراب الانتخابات بسبب الإشكاليات الواقعية المرتبطة بكفاءة بعض المنتخبين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأمية أو ضعف المستوى التعليمي بشكل لا يسمح لهم بأداء مهامهم التمثيلية والتشريعية كما ينبغي.
ويعود هذا النقاش إلى الواجهة لأن المهام الموكلة للمنتخبين، خصوصاً في البرلمان، تتطلب مستوى معيناً من الفهم، القدرة على تحليل القوانين، النقاش السياسي، والمشاركة في صنع القرار. عندما يكون المنتخب غير قادر على القراءة أو الكتابة، فذلك يثير تساؤلات جدية حول مدى قدرته على تمثيل المواطنين بفعالية.
كما أن هناك من يدافع عن حق أي مواطن، مهما كان مستواه الدراسي، في الترشح والانتخاب، استناداً إلى مبدأ المساواة وحرية الترشح. في المقابل، هناك من يرى أن غياب الحد الأدنى من الكفاءة العلمية يضعف الأداء المؤسساتي، ويجعل من بعض المنتخبين أداة في يد جهات أخرى، مما يفرغ العملية الديمقراطية من محتواها الحقيقي.
ومن الناحية العملية، وُجد في البرلمان المغربي وفي الجماعات الترابية منتخبون لا يحسنون القراءة والكتابة، أو لا يستطيعون فهم مضامين الوثائق الرسمية أو النقاشات القانونية، مما يُضعف دورهم كممثلين للأمة أو لمجتمعاتهم المحلية.
لذلك، البعض يقترح فرض شروط دنيا من التعليم، خصوصاً بالنسبة للمهام البرلمانية أو مناصب المسؤولية، دون أن يُنظر لذلك كإقصاء، بل كنوع من التنظيم الذي يربط المسؤولية بالكفاءة. بالمقابل، يجب أن يُواكب هذا الإصلاح بتحسين شروط الولوج إلى التعليم للجميع، حتى لا يُحوَّل التعليم إلى أداة للإقصاء بدل التمكين.
ويجب التمييز بين الديمقراطية التمثيلية التي تضمن مشاركة الجميع، وبين النخبوية السياسية التي ترى في المؤهل الأكاديمي شرطاً للتمثيل. التحدي هو إيجاد توازن يسمح بمشاركة الجميع، دون التفريط في الجودة والكفاءة داخل المؤسسات المنتخبة.
هل تتفقون مع الطرح الداعي إلى جعل المؤهل العلمي شرطا ضروريا للتقدم للانتخابات؟.
النقاش حول اشتراط المؤهل العلمي للترشح للانتخابات يثير جدلاً واسعاً في المغرب خصوصاً مع تكرار ظاهرة انتخاب أشخاص لا يتوفرون على الحد الأدنى من التعليم مما ينعكس سلباً على جودة الأداء التشريعي والتسييري داخل المؤسسات المنتخبة ويطرح تساؤلات جدية حول مدى قدرة هؤلاء على فهم القوانين والمشاركة الفعالة في النقاشات العامة واتخاذ القرارات
في المقابل يرى كثيرون أن فرض شرط الشهادة الأكاديمية قد يشكل مساساً بمبدأ المساواة بين المواطنين ويؤدي إلى إقصاء فئات واسعة من المجتمع خاصة في المناطق القروية والهامشية التي تعاني من الهدر المدرسي وضعف البنية التعليمية كما أن الكفاءة السياسية لا ترتبط بالضرورة بالمستوى الدراسي فهناك أشخاص يمتلكون رصيدا من التجربة والخبرة يجعلهم قادرين على تمثيل المواطنين بفعالية رغم غياب الشهادات العليا
من أجل التوفيق بين مطلب الكفاءة واحترام مبدأ التمثيلية يمكن التفكير في حلول وسط مثل فرض تكوين إلزامي للمترشحين الفائزين أو تشجيع الأحزاب السياسية على ترشيح ذوي الكفاءات أو حتى وضع اختبارات بسيطة تقيس مدى دراية المترشح بالقضايا الأساسية دون أن يشكل ذلك حاجزاً أمام حقه في الترشح والتمثيل الشعبي.
هل أداء البرلماني مثلا رهين بمؤهله العلمي فقط أم ثمة معايير وشروط أخرى تتحكم في أدائه؟ بمعنى آخر، هل الأداء البرلماني الجيد يتوقف على ما يتوفر عليه البرلماني من مؤهلات علمية وأكاديمية؟.
الأداء البرلماني الجيد لا يتوقف فقط على المؤهلات العلمية والأكاديمية، وإن كانت هذه الأخيرة تلعب دوراً مهماً في تمكين البرلماني من فهم النصوص القانونية وتحليل السياسات العمومية والمساهمة الفعالة في صياغة القوانين. لكن المؤهل العلمي يظل عنصراً من بين عدة عناصر أخرى تتداخل في تحديد جودة أداء البرلماني، ولا يمكن اعتباره شرطاً وحيداً أو كافياً، لأن النجاح في العمل البرلماني يتطلب ما هو أكثر من المعرفة النظرية.
هناك معايير وشروط أخرى لا تقل أهمية عن المستوى الأكاديمي، من بينها الكفاءة السياسية والقدرة على التفاوض والإقناع وبناء العلاقات داخل المؤسسة التشريعية، إضافة إلى التجربة الميدانية السابقة سواء في العمل النقابي أو الجمعوي أو الجماعي، والنزاهة والاستقلالية في اتخاذ المواقف، فضلاً عن مهارات التواصل الجيد مع المواطنين ومع باقي الفاعلين. كما أن الحضور الفعلي والمشاركة المنتظمة في الجلسات وأشغال اللجان يُعدّان مؤشرين مهمين على جدية البرلماني ومدى التزامه بمهامه التمثيلية والتشريعية.
*باحث متخصص في الشؤون السياسية
