في الجزء الأخير من الحوار الشامل الذي أجرته جريدة LE12.MA، مع محمد أنور الهزيتي، الباحث المتخصص في الشؤون السياسية، كانت الإجابة عن الأسئلة الثلاثة التالية: في خضم مطالب الحركات النسائية المغربية بتخصص نصف المقاعد الانتدابية للنساء. هل برأيكم التجربة المغربية وصلت مرحلة الانتقال من الثلث الى المناصفة؟.

وسوؤل: البعض يعتبر أن نظام الكوطا أفرغ من محتواه وزاغ عن هدفه بسبب ممارسات استغلاله لترشيح الزوجات، والابناء، والصديقات والمقربات. هل تتفقون مع هذا الرأي؟.

والختم كان بسوؤال: هناك من يعاب على التجربة الانتخابية المغربية اعتماد نظام الكوطا برمته ويعتبره غير ديمقراطي. ما رأيكم؟.

 إليك(م)/(ن) الحوار.

 الرباط- م.س/ LE12

في خضم مطالب الحركات النسائية المغربية بتخصص نصف المقاعد الانتدابية للنساء. هل برأيكم التجربة المغربية وصلت مرحلة الانتقال من الثلث الى المناصفة؟.

المطلب الذي ترفعه الحركات النسائية المغربية بشأن تخصيص نصف المقاعد الانتدابية للنساء يعكس وعياً متقدماً بأهمية تحقيق المناصفة كهدف دستوري وكمبدأ للعدالة والمساواة، خاصة وأن الدستور المغربي لسنة 2011 ينص صراحة في الفصل 19 على أن الدولة تسعى إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وهو ما يعطي لهذا المطلب مشروعية قانونية وسياسية وأخلاقية قوية.

لكن السؤال الجوهري هو: هل وصلت التجربة المغربية فعلاً إلى مرحلة تؤهلها للانتقال من “الثلث الرمزي” إلى “المناصفة الفعلية”؟ .

الواقع يشير إلى أن هناك تراكمات إيجابية تحققت منذ اعتماد نظام اللائحة الوطنية للنساء، وتمثيل المرأة في البرلمان والجماعات الترابية في ارتفاع تدريجي، غير أن هذا التقدم لا يزال نسبياً ويصطدم بعوائق متعددة، أبرزها هيمنة العقليات الذكورية داخل بعض الأحزاب وضعف الالتزام السياسي الحقيقي بالمناصفة، فضلاً عن استعمال النساء أحياناً كـ «أدوات انتخابية” دون تمكينهن فعلياً من مواقع القرار داخل المؤسسات.

الانتقال إلى المناصفة ليس فقط مسألة قانونية تتعلق بتعديل القوانين الانتخابية، بل هو اختيار سياسي ومجتمعي يتطلب إرادة حقيقية من الدولة والأحزاب والمجتمع ككل، ويستوجب إصلاحاً شاملاً في بنية التمثيلية السياسية يعيد النظر في ثقافة التزكية، وفي آليات تمكين النساء سياسياً داخل الأحزاب وليس فقط في لحظة الانتخابات، وإذا توفرت هذه الشروط فإن المغرب يمكنه فعلاً أن يمر من مرحلة التمييز الإيجابي المحدود إلى المناصفة الحقيقية كتجسيد لديمقراطية شاملة.

البعض يعتبر أن نظام الكوطا أفرغ من محتواه وزاغ عن هدفه بسبب ممارسات استغلاله لترشيح الزوجات، والابناء، والصديقات والمقربات. هل تتفقون مع هذا الرأي؟.

هذا الرأي يعبر عن نقد مهم وواقعي يسلط الضوء على جانب سلبي من تطبيق نظام الكوطا في المغرب حيث حدث أحياناً أن تم استغلال هذا النظام بطرق غير نزيهة من خلال ترشيح الزوجات أو الأبناء أو المقربات دون أن يكون لهن تمثيل حقيقي أو تأثير فعلي في العمل السياسي، مما أدى إلى تخفيف من قوة نظام الكوطا وأفرغته إلى حد ما من محتواه الأصلي الذي يهدف إلى تعزيز تمثيل النساء وتمكينهن سياسياً.

مثل هذه الممارسات لا تضر فقط بالمبدأ نفسه، ولكنها تضعف ثقة الجمهور في آليات التمثيل النسائي وتساهم في ترسيخ صورة نمطية بأن النساء يتم تعيينهن كواجهات أو بدائل شكليين وليس كفاعلات سياسيات مستقلات، وهذا يحد من فرص تطوير الديمقراطية الحقيقية ويؤخر مسيرة النهوض بالمشاركة النسائية في صنع القرار السياسي

لذلك من الضروري أن يصاحب نظام الكوطا إجراءات مواكبة تضمن شفافية الاختيار وفعالية التمثيل النسائي من خلال تعزيز معايير الكفاءة والنزاهة وتفعيل الرقابة داخل الأحزاب، فضلاً عن تشجيع الأحزاب على تمكين النساء سياسياً بعيداً عن الزبونية والمحسوبية لكيلا يتحول الكوطا إلى مجرد أداة لتكريس العلاقات الشخصية على حساب الكفاءة والمبادئ الديمقراطية.

هناك من يعاب على التجربة الانتخابية المغربية اعتماد نظام الكوطا برمته ويعتبره غير ديمقراطي. ما رأيكم؟ .

النقد الموجه لنظام الكوطا باعتباره غير ديمقراطي يعكس وجهة نظر تعتمد على فكرة أن الترشح والانتخاب يجب أن يكونا مفتوحين على قدم المساواة لجميع المواطنين دون تمييز أو تفضيل مسبق وهذا الموقف يستند إلى مبدأ المساواة المطلقة في الحقوق السياسية والذي يعتبر من المبادئ الأساسية للديمقراطية

مع ذلك، من المهم أن نفهم أن نظام الكوطا يُطبق كآلية تصحيحية تهدف إلى معالجة اختلالات تاريخية وهيكلية أدت إلى تقليل تمثيل فئات معينة كالنساء في المؤسسات السياسية وهذا النظام ليس هدفه استثناء أحد أو فرض حصص غير عادلة، بل هو وسيلة لتعزيز المشاركة السياسية والتمثيل العادل لضمان تكافؤ الفرص في مجتمع يواجه تحديات اجتماعية وثقافية تحول دون مشاركة متساوية

لذلك يمكن القول إن نظام الكوطا يمثل نوعاً من التوازن بين المساواة الرسمية والمساواة الفعلية وهو محاولة لجعل الديمقراطية أكثر شمولية وعدلاً خصوصاً في مجتمعات لا تزال فيها بعض الفئات مهمشة سياسياً ويشكل الكوطا خطوة ضرورية نحو تحقيق تمثيل أكثر عدالة وإنصافاً لكن يجب أن يُرافق هذا النظام إصلاحات مستمرة لضمان فعاليته وعدم تحويله إلى آلية صورية بعيداً عن جوهر الديمقراطية الحقيقية.

 *باحث متخصص في الشؤون السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *