من المؤكد أن عودة مطلب الملكية البرلمانية تأتي في سياق الضغط السياسي الذي تمارسه القيادة من أجل تحقيق مكاسب، في مقدّمتها المشاركة في الحكومة المقبلة التي ستفرزها انتخابات 2026.

 في خطوة مفاجئة على مستوى التوقيت، كشفت وثائق المؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المرتقب عقده في أكتوبر المقبل، عن توجه الحزب نحو المطالبة بمراجعة دستور 2011، والدعوة إلى إرساء نظام ملكية برلمانية.

وإن كان هذا المطلب قديمًا في أدبيات الاتحاد الاشتراكي وبعض الأحزاب اليسارية الأخرى، إلا أن اللافت هو اختفاء هذا الخطاب من القاموس السياسي لغالبية الأحزاب منذ إقرار دستور 2011، رغم أن الحزب كان قد تقدَّم بمذكرة للجنة المكلفة بمراجعة الدستور آنذاك، تضمّنت مطلب الملكية البرلمانية.

اعتادت قيادة الاتحاد الاشتراكي طرح مسألة الانتقال إلى الملكية البرلمانية في سياقات سياسية تتسم بالتوتر و”عدم الرضا” داخل التنظيم. وفي السياق الحالي، عانى الحزب منذ انتخابات 2021، أي منذ تشكيل الحكومة الحالية، من فقدان البوصلة؛ إذ نزلت القيادة بثقلها من أجل دخول التحالف الحكومي، لكن دون جدوى. كما خابت آمالها في تحقيق هذا الهدف حتى خلال التعديل الحكومي الجزئي الذي تم في أواخر أكتوبر من السنة الماضية.

ومن المؤكد أن عودة مطلب الملكية البرلمانية تأتي في سياق الضغط السياسي الذي تمارسه القيادة من أجل تحقيق مكاسب، في مقدّمتها المشاركة في الحكومة المقبلة التي ستفرزها انتخابات 2026، والتي يُوليها إدريس لشكر أهمية قصوى، ويراهن عليها لتقوية الموقع الانتخابي للحزب وتعزيز قدرته التفاوضية في تشكيل الحكومة المقبلة. وحدها الأيام كفيلة بالكشف إن كان لشكر سينجح في هذا الرهان أم لا.

في السياق ذاته، يتجه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نحو تكريس استمرار الكاتب الأول، إدريس لشكر، في قيادة الحزب لولاية رابعة، من خلال تعديل النظام الأساسي، وذلك بالتزامن مع انعقاد المؤتمر الوطني الثاني عشر منتصف أكتوبر المقبل.

وتتوافق هذه المبادرة مع رغبة القيادة الحالية في الاستمرار على رأس الحزب خلال المرحلة المقبلة، التي تعتبرها مفصلية على مستوى المشهد السياسي الوطني، نظراً لما تحمله من استحقاقات انتخابية مصيرية.

يراهن لشكر، ومعه تياره، على البقاء في القيادة في إطار ما يصفونه بـ”الولاية السياسية”، متجاوزين الجدل حول الأرقام وعدد الولايات، ومغلبين ما يُسمى بـ”المصلحة العليا للحزب”، وهو ما يدفعهم إلى عدم الاكتراث بمسألة التمديد.

وليست الولاية الرابعة سابقة في تاريخ الحزب، فقد سبق للمجلس الوطني أن صادق على تعديل في النظام الداخلي خلال المؤتمر الوطني الحادي عشر في 2022، يسمح للكاتب الأول والكتاب الجهويين والإقليميين بالترشح لثلاث ولايات متتالية.

يحظى تعديل النظام الأساسي حاليًا بإجماع داخل مربع القيادة المقربة من لشكر، الذي نجح في فترات متفرقة في إبعاد معارضيه داخل الحزب، فيما اختار آخرون الانسحاب بصمت، احتجاجًا على طريقة تدبيره لشؤون الحزب.

وأكدت لجنة القوانين والأنظمة، التابعة للجنة التحضيرية، خلال اجتماعها المنعقد أمس السبت، وجود شبه إجماع بين الأعضاء على ضرورة “تجديد ولاية لشكر”، باعتبار ذلك خيارًا يندرج ضمن ما وصف بـ”المصلحة العليا للحزب”.

وطرحت اللجنة خيارين لتحقيق هذا الهدف الأول: تعديل المادة 217 من النظام الأساسي التي تحدد عدد الولايات بثلاث فقط، على أن يُعرض التعديل على المؤتمر الوطني ويُصادَق عليه بأغلبية الثلثين، مما يُتيح التمديد دون الحاجة لانتخابات جديدة”.
أما الهدف الثاني فهو: إعادة ترشيح لشكر وفق المساطر المعمول بها حاليًا، في حال عدم تعديل المادة أو عدم توفر النصاب القانوني”.

كما تضمنت التعديلات المقترحة تغييرات على طريقة انتخاب الكاتب الأول، باعتماد دورة واحدة بالأغلبية النسبية بدل نظام الدورتين المعتمد سابقًا. ومنحت التعديلات الكاتب الأول صلاحية تشكيل لائحة أعضاء المكتب السياسي، على أن تتم المصادقة عليها من قِبل المجلس الوطني.

ويحذو إدريس لشكر في هذا التوجه حذو محمد نبيل بنعبد الله، الذي أعيد انتخابه أمينًا عامًا لحزب التقدم والاشتراكية لولاية رابعة، خلال المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب المنعقد في بوزنيقة عام 2022، تحت شعار “البديل الديمقراطي التقدمي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *