عبد الرزاق بوتمُزار

ح. 21

عندما أقمنا حفل الوداع..

رغم الأحداث الكثيرة والفارقة التي شهدتها، مرّتْ سنواتُ الثانوي الثلاثُ بسرعة. في نهاية السنة الثالثة، تَجنّد تلاميذ القسم الذي كنّا ندرُس فيه، في خطوة مُفاجئة، لتنفيذ فكرة لا نذكر مَن كان وراء اقتراحها، لكن الجميع تطوعوا بحماس لتنفيذها. “استقرّ عزمُنا” على تنظيم حفل على شرف الأساتذة الذين رافقونا خلال تلك المرحلة الدّراسية.

حدّدْنا موعدَ الحفل، وأشعرْنا الأساتذة المعنيّين وحجزنا إحدى الحجرات الدّراسية لتكون مكاناً لإقامة الحفل. اشترينا باقاتِ ورد والكثيرَ من المشروبات الغازية؛ فيما تنافست التلميذاتُ في تحضير أطباق لذيذة من حلويات المطبخ المغربيّ المُتميزة. أعَدْنا ترتيبَ الطاولات والكراسي في حُجرة الدّرس التي وقع عليها الاختيارُ لاحتضان “الحدث”، الذي شكّل مُفاجَأة جميلة لأساتذتنا وصفعةً معنوية لتلاميذ الفصول الأخرى، الذين لم يُسعفهم تفكيرهم في الاهتداء إلى مثل هذه الالتفاتة الرّمزية.

كانت تلك الخطوة، في الحقيقة، مُناسَبة لتذويب بعض الخلافات، بيننا نحن التلاميذ أولاً، وبيننا وبين بعض الأساتذة الذين وقعت لنا معهم خلافات. وكانتْ الخطوة، أيضاً، فرصة للاحتفال بنهاية تلك المرحلة الأساسية من مشوار دراسيّ كان معظمُنا ينوُون مُواصلته، بعد حيازة شهادة “الباكْ” الغالية.
وزّعْنا باقات الوُرود على زوايا الحجرة ورتّبنا مجموعة من الطاولات وسطها؛ وضعْنا عليها قاروراتِ المشروبات وأطباقَ كْعب غْزال وغْـريّبة وبوفقّوس والكثير من الأكواب الزّجاجية. وبدأت “الفيشْطة”..
كان الجميعُ في الموعد، وفي كامل أناقتهم. أذهلت المفاجأة الأساتذة وأخرستْ ألسنة بعضهم، التي كانت، في بعض المناسبات، أطولَ من اللاّزم. بعضُهم الآخرُ بَدَوا مُحرَجين، لا يدْرُون ما يقولون أو يفعلون أمام ذلك التّكريم الرّمزي، البسيط لكنْ المفعم بمزيج من أحاسيسَ متباينة عكست نوعية علاقتنا بالمكرّمين طيلة سنوات ثلاث.

ووسط كلمات مُرتجَلة ومرتبكة ومُستملَحات وطرائفِ ظرفاء “مجموعة المشاغبين”، قضينا لحظاتٍ لا تُنسى احتفاءً بمَن علّمونا يوماً حرفاً.. أرسلنا إلى بطوننا العديدَ من كؤوس المُونادا في ذلك اليوم البعيد من سنة 1993 والتهمنا الكثيرَ من قطع الحلوى. ودون أن نُفكر في أنّ تلك المناسبة ستكون آخرَ مرّة نجتمع فيها كلنا في فضاء واحد، احتفلنا وتبادلنا التهاني. كأطفالٍ كبار ينجحون لأول مرّة في مشوارهم الدّراسي بدَوْنا في ذلك المساء البعيد..

أصرَرْنا على تحديد يوم سابق لإعلان النّتائج. كنّا نعرف أننا لو انتظرنا إلى ما بعد ظهورها فربّما يفوق عددُ الغائبين حينها عدد الحاضرين. سيكون موكبُ الحياة قد أخذ كلّ واحد منّا في اتّجاه يصعُب معه الالتفات خلفه أو الاهتمام بتفاصيلَ صغيرة مثل هذه.. وهو ما تأكد، بالملموس بعد تعليق الطّابْلو، الذي أعطانا، وهو يورد أرقامَنا ضمن لائحة الناجحين، تأشيرةَ عبور نحو المجهول، عبْر بوابة “لافاكْ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *