عبد الرزاق بوتمُزار
ح. 18
لا يُفسد للـودّ قضية.. اختلاف
بسبب ميلنا إلى التمرّد على أفكارهم أو عدم توافُقنا على قناة تواصلية مُلائمة مع أساتذتنا، ظلت علاقاتنا مع هؤلاء تشهد العديد من مظاهر التشنّج والتوتر. يبدو الأمر منطقيا من زاوية نظر مُحايدة؛ لكنْ كانت لكلّ منا أسبابُه وقناعاته وأحكامُه، الجاهزة أحيانا، لوصف الطرف الآخر بنُعوت خاصّة وتصنيفه ضمن خانة المغضوب عليهم. والغريب هو أنّ هذه العلاقات كانت تعرف، في مُعظم الحالات، نهايات سعيدة إلى أبعد الحدود.
ما أذكره شخصيا عن هذه المرحلة أنّ علاقتي بكل الأساتذة الذين، اختلفتُ معهم في التوجّهات وسبق أن اضطررنا إلى تصنيف بعضنا البعض، عرفت معظمها نهايات تُكرّس مبدأ تبادُل الاحترام.. قد تكون تلك إحدى مُميزات جَيْلنا التسعيني المغبون. لقد استطعنا أن نُذيب الجليد الذي كان يمكن أن يَحكُم بالفشل على علاقتنا بأساتذتنا، الذين أكتفي هنا بالقول في حقهم إنهم يُشكّلون نموذجا مثاليا لتفنيد أيّ مَزاعمَ شكّكت أو تُشكّك في قدرة المدرسة العُمومية على صنع التميّز.
ذاتَ حصّة، وبسبب استفسار الأستاذ لنا (صديقي عبد الإله وأنا) غيرَ ما مرّة عن سرّ عدم إحضارنا كتابَ المُطالَعة وتغاضيه عن زميلتيْن كانتا تجلسان مباشَرة في الطاولة التي أمامنا لم تُحضِرا بدورهما الكِتاب ذاته، سمع الأستاذ ما لم يُرضِه.. تلفّظتُ -لأول مرّة ربّما في وجه أستاذ للعربية- بكلام غاضب، متعمّدا أن يسمعني. انقلب الموقف، فجأةً، واتّجهت صوبنا أنظار جميع مَن في الفصل. لم نَبلعْ هذه “الشّهامة” من حضرة الأستاذ، الذي “أغفل” استفسارَ الزّميلتين عن دواعي عدم إحضارهما كتابَ المُطالعة بينما لا يفتأ يسألنا، نحن الاثنين. سرَتْ بيننا الهمساتُ والهمهمات وانتهى الوضع بموقف مُحرج، بعد أن صَدَر مني تعليق مزاجيّ “حادّ” أثناء مرور الأستاذ بالقرب منّا.
كان هذا الأستاذ، قبل أيام قلائلَ فقط، قد عقد “صلحاً” بيني وبين إدارة المؤسّسة بعد سوء تفاهم مع أستاذ للإنجليزية، انتهى بي إلى الطرد خارج فصول الدّراسة مُدّة خمسةَ عشرَ يوما كاملة! لهذا السّبب، في الغالب، لم يستسغْ أستاذ العربية أن يَبْدُر مني تصرّف جارحٌ لكبريائه ولسلطته المُفترَضة، رغم أنه قد أخطأ التصرّف، بدوره. لذلك ربّما لم يُفكّر في إبعادي عن حجرات الدّرس؛ اكتفى بـ”اتخاذ موقف” مني ومن جليسي، الذي كان، أيضاً، في خلاف شبهِ دائم معه.
عندما أخبرتُ الأستاذ، أياما بعد ذلك، برغبتي في تقديم اعتذاري “بطريقتي الخاصّة” عما وقع بيننا، أبدى ترحيبا بالفكرة وهيّأ لي الجو المُناسب.
كان عاشقا للقصص والحكايات، وكثيرا ما حكى لنا العديد منها. تصرّفتُ في إحدى هذه الحكايات الشّفهية وجعلتُها أرضية لأحد نصوصي القصصية؛ قرّرتُ أن أعتذر للأستاذ من خلال قراءته أمام تلاميذ الفصل..
في الصّباح المُوالي، أخبر الأستاذ الجميعَ بأنه سيقع تغيير بسيط في حصّة ذلك اليوم؛ حتى يُتيح لي فرصةَ قراءة النصّ القصصي الذي كتبتُ كي أعتذرَ له.
