حين تضطر الحركة إلى أن تؤكد أنها “لا تتوفر على مؤسس أو قائد”، فذلك لا يعني الاستقلالية بقدر ما يعني أن القيادة موضع نزاع، وأن الشرعية باتت محل تنازع بين عدة أطراف قد تكون “متصارعة” بل وقد تكون “متناحرة”!!!.

حمد عبد ربه 

كل حركة احتجاجية رقمية تبدأ بنداء الحرية، وتنتهي بمعركة حول من يملك الحق في الصراخ باسمها. 

هذه القاعدة تنطبق اليوم على “جيل Z” المغربية (GenZ212)، التي يبدو أن وهجها الأول بدأ يخفت تحت وطأة صراعات داخلية حادة تحاول الحركة عبثًا إخفاءها خلف بيانات “التوضيح” و”الشفافية”.

البلاغ الأخير الذي أصدرته الحركة، والذي ينفي أي علاقة تربطها بمغني الراب معاد الحاقد، هو أكثر من مجرد رد على إشاعة.

بل هو اعتراف غير مباشر بوجود أزمة هوية وتنظيم داخل هذا الكيان الرقمي، الذي أراد أن يتحدث باسم شباب المغرب. 

فحين تضطر حركة إلى أن تؤكد أنها “لا تتوفر على مؤسس أو قائد”، فذلك لا يعني الاستقلالية بقدر ما يعني أن القيادة موضع نزاع، وأن الشرعية باتت محل تنازع بين عدة أطراف قد تكون “متصارعة” بل وقد تكون “متناحرة”!!!.

المثير أن البيان صدر في لحظة كان فيها “الأدمين الأساسي” للحركة، الذي شكّل ركيزة التواصل الداخلي، قد جُرّد من صلاحياته.

ولعل ذلك ما كشف عن انفجار صراع إلكتروني مكتوم بين ما يمكن وصفه بـ”الجيل المؤسس” وبين مجموعة جديدة تحاول الاستحواذ على واجهة الخطاب الرسمي. 

لذلك، حين حذّرت الحركة من “الحسابات المجهولة والإشاعات المغرضة”، فإنها لم تكن تحذّر من خصوم خارجيين، هم على كل حال باتوا مفضوحين لدى المغاربة كبارهم وصغارهم، بقدر ما كانت توجّه نيرانها نحو منشقين من داخل البيت الرقمي نفسه.

ما يجري في كواليس “جيل Z” لا يمكن فصله عن التحول من العفوية إلى التنظيم. فالحركة التي وُلدت على “ديسكورد” و”فايسبوك” و”تيك توك”، كصوت غاضب للشباب المغربي، بدأت تدفع الآن ثمن اتساعها وانتشارها. 

وكلما توسعت الفكرة، ضاق هامش التفاهم بين من يملكون المنصات ومن يصوغون الرسائل ومن يحلمون بقيادة المشهد. 

وهكذا، تحوّل ما كان تعبيرًا جماعيًا حرًّا إلى حرب رقمية حول من يتكلم باسم “الشعب الرقمي”.

الأخطر من ذلك أن البلاغ الأخير جاء محمّلًا برغبة واضحة في تجميل صورة الحركة أمام الرأي العام والسلطات.

لقد جاء ذلك،  عبر نفي أي علاقة بمعارضين أو رموز احتجاجية راديكالية، مثل معاد الحاقد، والتأكيد على “الوطنيّة” و”السلمية” و”الابتعاد عن السياسة”. 

هذه اللغة، رغم نُبلها الظاهري، تكشف عن ميل متزايد نحو الانضباط وتلميع الخطاب، وعن أن “جيل Z” الذي كان يتحدث من قلب الشارع الرقمي، بدأ يتحول إلى كيان بيروقراطي مصغّر يسعى إلى إرضاء الجميع…

إن الأزمة التي تعيشها الحركة اليوم بدأت تظهر للعيّان أنها أكبر من مجرد “سوء تفاهم إداري” بين الأدمينات.

بل هي تشظٍّ داخلي حادّ، يفيد أن الحركة باتت مهددة بأن تبتلع أبناءها واحدًا تلو الآخر، كما يحدث لكل تجربة جماعية ترفض أن تسمي الأشياء بأسمائها، وتختبئ خلف شعارات “الوضوح” لتغطية انقساماتها وأهدافها الغامضة.

حركة “جيل Z”، التي كانت تُقدَّم كرمز لجيل وُلد من رحم الإنترنت ليكسر صمت السياسة، تجد نفسها اليوم في مواجهة امتحانها الأصعب: أن تثبت أنها حركة أفكار لا حسابات، وأنها صوت جماعي لا منبر فردي. لأن مؤشرات الميدان الرقمي تقول العكس: الشعارات تتآكل، القواعد تتذمر، والقيادات تتنازع الشرعية في صمتٍ صاخب!

وإذا كانت الحركة قد شكلت خلال الأسابيع الماضية أول اختبار سياسي افتراضي للنخب التقليدية، فإن تشظّيها الراهن يحمل دلالات عميقة على ما يمكن أن يشهده المشهد المغربي في أفق الاستحقاقات التشريعية المقبلة. 

ففي العمق، يمكن أن نجد أن حركة “جيل Z” ليست مجرد موجة شبابية عابرة، بل بارومتر مبكر لتحولات المزاج الانتخابي، ولطبيعة الفجوة المتزايدة بين الشباب وبعض المؤسسات. 

وإذا كانت هذه الحركة، بكل طاقتها ورمزيتها، قد تعثرت في بناء تنظيمها الداخلي، فإن السؤال الأكبر يظل مطروحًا: كيف ستتعامل الأحزاب نفسها مع هذا الجيل الذي بدأ يفقد ثقته في كل وساطة، حتى داخل حركته الخاصة؟.

في نهاية المطاف، لا يمكن لحركة أن تمثل جيلاً بأكمله وهي عاجزة عن تمثيل نفسها. وها هي حركة “جيل Z” تقف اليوم أمام مرآتها، لترى أن معركتها، رغم مواصلتها واستمراريتها المتآكلة شيئا فشيئا، لم تعد مع الدولة أو الحكومة، بل بدأت تتحوّل تدريجيا مع ذاتها، التي تنقسم كل يوم أكثر!!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *