أمينة بلحسن (و. م. ع.)

بطموح جارف وعزيمة لا تلين، استطاعت الفرنسية من أصل مغربي، نعيمة موتشو، المزدادة في “فال دواز” (شمال باريس) أن تختط لنفسها مسارا استثنائيا قادها، بعد إتمام دراستها وتمرّسها في مهنة المحاماة، إلى الفوز، وهي التي لم تجد طريقها مفروشة بالورود، بمقعد في الجمعية الوطنية الفرنسية..

لم يكن من السهل على نعيمة موتشو، وهي من أبوين لم تتح لهما فرصة ولوج فصول الدراسة، أن تذهب بعيدا في تحقيق أحلام طالما راودتها منذ نعومة أظافرها، دون أن يشكل تواضع الوضع المادي لأسرتها (هاجر والداها من ورززات إلى فرنسا في خمسينيات القرن الماضي بحثا عن عمل) عقبة أمام تطلعاتها، بل بالعكس كان حافزا وقوة دفع ساعدتها على تخطي كل الصعاب.

جعلت نعيمة موتشو، وهي نتاج خالص للمدرسة العمومية الفرنسية، من النجاح قاطرة بحثها المتواصل عن التميز، إذ ظلت -سنة تلو أخرى- من بين التلاميذ المتفوقين في قسمها، إلى أن نالت شهادة الباكالوريا، التي فسحت أمامها الطريق لمتابعة دراستها في الحقوق في جامعة “سيرجي”، ثم في جامعة “بانثيون –أساس” في باريس التي تخرجت منها متأبطة دبلوم المحاماة.

انطلق المسار المهني لنعيمة موتشو بكيفية جيدة، إذ التحقت بمكتب معروف للمحاماة، مارست فيه المهنة لمدة عشر سنوات إلى جانب كريستيان شاريير بورنازيل، نقيب هيئة المحامين في باريس. وبمرور السنين تخصصت في شؤون الإعلام ورافعت في ملفات عدة، تتعلق بالقذف، خاصة ضد إيريك زيمور، الشخصية المثيرة للجدل والمعادية للمهاجرين.

وإضافة إلى ممارستها مهنة المحاماة، اتجهت نعيمة موتشو نحو العمل الجمعوي، إذ انضمّت إلى الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية ومعاداة السامية، يحذوها طموحها في المساهمة في جهود القضاء على كل أشكال التمييز..

إلى جانب المحامي شاريير بورنازيل، أحد الشغوفين بالمغرب، شعرت نعيمة، المتشبثة بأصولها المغربية، بحاجة ملحة للعمل من أجل المساهمة في النهوض بالصداقة الفرنسية -المغربية لتقرر، بالتعاون مع بونازيل، إنشاء جمعية “ديالوغوس”، وبادرت في هذا الإطار إلى تنظيم ندوات كل سنة في مواضيع متنوعة، تساهم في التقريب بين البلدين والشعبين.

ورغبة منها في خوض غمار تجربة غير مسبوقة بالنسبة إليها، قررت هذه الشابة الفرنسية من أصل مغربي القيام بخطوة جديدة عبر الانخراط في عالم السياسة، إذ ترشحت في الانتخابات التشريعية ليونيو 2017 باسم حزب “الجمهورية إلى الأمام”، الذي أنشأه الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي كان يبحث وقتئذ عن طاقات شابة تشكّل قيمة مضافة لتنظيمه السياسي الفتي.

وهكذا فازت نعيمة موتشو بمقعد في الجمعية الوطنية الفرنسية عن الدائرة الرابعة لـ”فال دولواز”، ما شكل مصدر فخر لها ولأسرتها.
وقالت نعيمة موتشو، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنها بمجرد جلوسها على المقعد الأحمر في مقر الجمعية الوطنية تذكرت -بكثير من الحنين والشوق- والدها الذي توفي قبل بضعة شهور، وقالت إن انتقالها إلى الحقل السياسي تم بكيفية طبيعية، مضيفة أنه “قبل ذلك، كنت أطبق القوانين، لكني اليوم أساهم في وضعها”، وهي مهمة نبيلة تتطلب الكثير من المسؤولية.

كما ساهمت مثابرة نعيمة موتشو وانخراطها واخلاصها في عملها في حصولها على عضوية لجنة القوانين في الجمعية الوطنية (مكلفة بالتنسيق داخل الفريق النيابي لحزب “الجمهورية إلى الأمام”) كمؤشر على الثقة التي وضعت فيها.

وفضلا عن مهامها النيابية، تنشط موتشو ميدانيا في دائرتها، خاصة لفائدة شباب الأحياء “الأقل حظا”. ولا شك في أن نعيمة موتشو تهدف من وراء التزامها السياسي والجمعوي إلى نشر رسالة أمل لفائدة هؤلاء الشباب وإيصال صوتهم والبرهنة على أنهم قادرون على الاندماج والتعبير عن ذواتهم والنجاح في حياتهم، معربة عن أملها في أن تمكّن تجربتها كشابة ترعرعت بين أسوار سكن اقتصادي وولجت أقسام المدرسة العمومية من أن تشكل حافزا لهم..

وبخصوص بلدها الأم، المغرب، قالت نعيمة موتشو إنها حرصت، بعد انتخابها، على الالتحاق بصفوف مجموعة الصداقة البرلمانية المغربية -الفرنسية، التي تتولى فيها مهام نائبة الرئيس -مكلفة بالثقافة.

وأكدت موتشو أنها فرنسية وفخورة بذلك، “كما أنني فخورة بأصولي المغربية وبثقافتي الغنية، التي أوليها أهمية كبرى في حياتي”، مضيفة أنها تتحدث بالدارجة المغربية، كما بالأمازيغية وأنها تزور المغرب بانتظام خلال العطلة من أجل إحياء صلة الرحم مع الأقارب. وتعريف طفليها ببلدهما الأصلي.

وعبر انخراطها والتزامها داخل الفريق النيابي، تعمل نعيمة موتشو، التي بصمت على مسار فريد ومثير للإعجاب، على المحافظة على الروابط التقليدية القوية التي تجمع بين البلدين، المغرب وفرنسا، وتقويتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *