يونس التايب

خلف قرار وزارة الداخلية، لهذا الصباح، بحضر التجمعات لأكثر من خمسين شخصا ارتياحا كبيرا، و الكل اعتبره قرارا مسؤولا و خطوة احترازية هامة تستحق التنويه. كما أن قرار وقف الدراسة كان بالأمس، أيضا، قرارا بناء وضروريا لتفادي انتشار وباء كورونا في تجمعات الطلبة و التلاميذ. نفس الشيء بالنسبة لقرار وقف الرحلات الجوية والبحرية للأشخاص مع عدة دول، و الذي يعكس حكمة كبيرة و روح المسؤولية.

بطبيعة الحال، بحسب تطور الأمور والمعطيات على الأرض، قد تدعو الحكمة إلى أن تتقرر إجراءات أكبر مما تم اتخاذه حتى الآن، مثال ما تقرر في عدة دول وصل بها الأمر إلى جعل مناطق بأكملها في حالة “حجر صحي”، بل هنالك أماكن تقرر فيها ما يسمى “حالة حظر للتجول”. و هذه تكون درجة متقدمة في ضبط حركة الناس في الفضاء العام، و من حق السلطات المختصة اتخاذها وهي في ذلك مسنودة ومؤطرة بقوانين مشروعة. 

لا أحد يعلم هل سيصير ذلك القرار ضروريا في بلادنا. ربما يكون الأمر كذلك إذا تبين للسلطات المختصة، ولها وحدها الحق في ذلك، أن فيه حاجة صحية لازمة لحماية المواطنين. الحمد لله لم يحن وقت ذلك الإجراء، و لحدود الساعة لم يتقرر شيء في هذا الباب. ولكن متى استجد أمر رسمي علينا أن ننخرط و ندعم و نيسر و نسهل ونستمر في تفاعل هادئ و إيجابي. و يجب أن تكون لدينا كمواطنين كامل الثقة في المؤسسات الرسمية المتابعة لهذه الأزمة و المشرفة على تدبيرها ببلادنا.

و إذا كان منطقيا التنويه بقرارات الجهات الرسمية ببلادنا، خلال الساعات القليلة الماضية، سواء في موضوع التجمعات أو مسألة تعطيل الدراسة أو وقف الرحلات مع عدة دول، لأنها إجراءات احترازية مسؤولة، بالمقابل من المنطقي أيضا، بل من الواجب، أن نلح على ضرورة أن يفهم المواطنون المغزى من كل تلك القرارات و يستوعبوا بهدوء حساسية الموقف ودقته، ويساعدوا في نشر المعلومة التوعوية الدقيقة، ويساهموا بتلقائية في تنفيذ احتياطات السلامة بشكل أكثر صرامة، ويفرضوها على أنفسهم وعلى أفراد عائلاتهم بأنفسهم، من منطلق الوعي و المواطنة.

وأول الاستنباطات التي يجب أن نذهب إليها، استئناسا بهذه القرارات الرسمية، هي ما يلي :

– قرار منع التجمعات لأكثر من خمسين شخص، يجب أن يستتبعه وعي تلقائي و “الفاهم يفهم” بأن التجمعات الاعتيادية كالتكدس في المقاهي يجب أن يتوقف، و من الممكن التعويض بقهوة و شاي في المنزل. لا بأس في ذلك، وربما هي فرصة لإعادة إحياء تقليد الجلسة العائلية الحميمية حيث يلتقي الأب و الأم و الأبناء و الإخوة، ويكون تبادل الحديث والتواصل، مع احترام شروط الوقاية (ترك مسافة بين الأشخاص/ غسل اليدين جيدا عدة مرات /تغطية الوجه عند العطس / عدم استعمال نفس المنديل و نفس الكأس… إلخ).

– تجمع عشرة أشخاص أو أكثر في الدرب و “الحومة” للحديث الاعتيادي و “تقرقيب الناب” سلوكات أصبحت لا معنى لها، ويجب أن تتوقف لثلاثة أو أربعة أسابيع حتى ينكشف خطر الوباء، و تتضح الصورة.

– تجمع عشرات الناس في حفلات عائلية (أعراس / عقيقة) يجب أن يتم تأجيلها و لا مشكل في ذلك ما دامت صحة المحتفلين هي الأساس للعيش بخير في المستقبل.

– عدم ذهاب الأطفال و الشباب للمدارس لا يعني أنهم في عطلة وأن بإمكانهم “التقصار في راس الدرب” أو لعب الكرة أو الخروج الجماعي للتنزه. أبدا. هي ليست عطلة، ويجب على الأباء دفع أبنائهم للمكوث في المنازل أكبر وقت ممكن، و إلا لا معنى لقرار وقف الدراسة إذا كان التجمع في القسم سيعوض بالتجمع و الاختلاط في باب العمارة. على المواطنين أن يستوعبوا أن العدوى يمكن أن تدخل إلى كل البيوت إذا دخلت إلى العمارة. وليس لذلك من طريق أيسر من طريق مصاب واحد ركب في المصعد وضغط على أرقام الطوابق، ثم مر بعده بعض الجيران ولمسوا نفس الأرقام في المصعد، وحملوا دون أن يشعروا بذلك، فيروس كورونا في أيديهم. وهذا مثال بسيط، و هنالك غيره كثير من الأمثلة كلها حقيقة، لا يجب تهويلها و لا الاستهانة بها، بل يجب الانتباه إليها واليقظة.

هذا ما أسميه المسؤولية المشتركة. و بهذا التفاعل الجماعي سنتقدم في الاتجاه الصحيح لنرفع تحدي التصدي لفيروس شرس، وننضبط بشكل أكبر لمعايير العيش المشترك الكريم ويصير مجتمعنا قادرا على أن يصمد أمام تحديات أكبر. وعلى الناس أن يعلموا أنه لا يمكن أن تصدر الجهات المختصة قرارات إدارية بشأن كل صغيرة وكبيرة في الحياة اليومية. نحن أيضا مسؤولون و واعون وعلينا تقدير مقام المسؤولية الاجتماعية والوطنية. وحفظ الله بلادنا، قيادة و شعبا، من كل سوء و مكروه وشملنا بلطفه الخفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *