وجدة – جمال أزضوض

هنا مدينة وجدة (شرق المملكة)، الساعة تقترب من منتصف الليل، أعضاء جمعية مغاربة متضامنون بلا حدود يهيّئون الوجبات السّاخنة والأغطية والأفرشة والملابس ويستعدّون للنزول إلى شوارع وأزقة المدينة، الخطوة الأولى هي البحث عن المشرّدين وإحصائهم في ليلة درجة حرارتها جد منخفضة.

محمد وحود، رئيس جمعية مغاربة متضامنون بلا حدود، يقول أن هذه المرحلة التي سنشاركهم إياها اليوم هي آخر مرحلة في هذه الحملات التي تعمل عليها الجمعية إلى جانب جمعيات تهتم بالمجال الخيري والإجتماعي بالمدينة، والتي أطلقوا عليها شعار “إلتفاتة دفء من إجل شتاء دافئ”، حيث تتمثّل أول مرحلة في البحث عن المحسنين والمساهمين ماديا وجمع التبرعات، مروراً بإقتناء المستلزمات وإعدادها من طرف أعضاء ومتطوعين مع الجمعية، ثم أخيراً النزول إلى الشارع وتسليمها إلى الأشخاص بدون مأوى.

وتشرف الجمعية، حسب وحود، على هذه الحملة كل يوم جمعة طيلة فصل الشتاء، في الوقت الذي تتكفل باقي الجمعيات بأيام الأسبوع الأخرى.

نزول جريدة Le12.ma مع الجمعية لمتابعة أطوار ومراحل هذه العملية كانت فرصة للتعرّف أكثر عن حياة الليل في أزقة وشوارع مدينة وجدة المعروفة بقساوة بردها في فصل الشتاء،  كانت فرصة أيضا، للقاء عدد من الأشخاص هم مثلنا تماما، إلا أن الظروف فرضت عليهم إفتراش الأرض والإقتيات على مساهمات الغير ما يجعلهم “دائما” تحت رحمة الآخر.

حاولنا في هذا الربورتاج المطول، إستقصاء قصص عدد منهم والغوص في ذكرياتهم والعودة بهم إلى اليوم الذي قرّروا فيه طوعاً أو رغماً عنهم العيش في الشارع.

جمعية متضامنون بلا حدود في بداية جولتها الليلية تقصد المحطة الطرقية كأول محطة إحصاء وتوزيع، ويعود السبب في ذلك، حسب القائمين عليها، إلى احتوائها -على غرار أغلب المدن المغربية- على أكبر عدد من المشرّدين أو الأشخاص بدون مأوى.

يقول وحود: إن بعض الحالات نضعها في الحسبان مُسبقاً، ذلك أنها تتخذ من بعض الأمكنة مسكنا شبه دائم لها، هؤلاء يتأقلمون في هذه الأزقة والشوارع وتصبح علاقتهم بمحيطهم غير مقلقة، مشيراً إلى أن بعض الحالات والتي عاينتهاLe12.ma  قرّر سكّان الشوارع التي يقطنون بها أن يصنعوا لهم مبيتاً، وهو صندوق خشبي يأمّنه من إفتراش الأرض ونهش الكلاب الضالة.

عصام، شاب في العشرينات من عمره، قضى أزيد من ثمان سنوات بدون مأوى، تحدّث إلينا عن سبب خروجه إلى الشارع وأرجع ذلك إلى مشاكل عائلية : “هربت من والديا والمشاكل وقاصينا المعيشة فالشارع فالبرد والشتا والريح” مشيرا إلى أن فصول السنة بالنسبة إليه باتت واحدة ومتشابهة، قبل أن يستطرد: “مكاينش لي يعطيك حتى ما تاكل إلا القليل”.

قبل ثمان أشهر، تمكّن عصام من الهجرة سراً متسللا داخل شاحنة للنقل الدولي للبضائع عبر ميناء بني أنصار في مدينة الناظور (شمال شرق المغرب وتبعد عن مدينة وجدة بحوالي 160 كيلومترا)، لكن “الحلم الأوربي” لم يدم كثيراً، حيث ألقي عليه القبض بعد بضعة أشهر من مكوثه في منطقة تُدعى “بوتشي” ضواحي ألميريا في إسبانيا وجرى إرجاعه إلى المغرب.

لكن عصام يعتبر مكوثه في المغرب يبقى دائما شيئا مؤقتاً، ويحاول في كل مرّة الهجرة مجددا، رغم المخاطر التي يواجهها أثناء المحاولة، قائلا في هذا السيّاق: “مبغاوش يخليوني نمشي ندبر على راسي. المخازنية كيشدوك فبني انصار كيضربوك وكيديرولك الطرونسفير لكازا بالسيف عليك”.

“أنا غادي نمشي حيت مضامن حتى حاجة فهاد البلاد ضامن غير الجحيم”، بهذه العبارة ختم عصام حديثه إلينا بعد أن تبيّن أنه لا يقوى على الإستمرار في الإجابة على أسئلتنا.

الشارع لا يحكم على العيش به حصرا على الرجال، هكذا خاطبنا أحد المتطوعين مع الجمعية، خلال عملية التوزيع ونحن في طريقنا إلى حالة غير عادية، شابة في مقتبل العمر لا تتذكر بالضبط كم قضت من سنة في الشارع، حين سألناها قالت: “معرفتش.. بزاف.. من الصغر”.

إكرام من الأشخاص بدون مأوى الذين يتأقلمون مع مكان واحد في المدينة، تتّخذ من ركن قرب ولاية أمن وجدة مسكناً لها، تقول: “هاذي هي بلاصتي حدا الكوميسارية”، تعود إليه بعد الإنتهاء من التّسول، وتعتبره أأمن مكان ممكن أن تبيت فيه. عاشت إكرام حياة التشرّد منذ الصغر بعد أن كانت ضحية إعتداء وإغتصاب من قبل أفراد من أسرتها.

قصّة إكرام كانت صادمة بالنسبة لنا، لم نكن ننتظر أن تطلب منّا إيصال رسالتها ومساعدتها على العثور على أبنائها حين سألناها عن إحتياجاتها وهي تسكن الشارع، قالت: “أنا مابغيت والو بغيت غير ولادي”، سألناها عن مكانهم فأجابت: “عندي تلاتة ديال الوليدات زوج خداوهوملي من الصبيطار”.

كونها امرأة، تعاني إكرام من الإعتداءات والتعنيف، تقول أنها كانت تبيت في السوق المغطى “ضربني واحد تما وجرا عليا وجيت هنا حدا الكوميسارية”، وجدت إكرام هذا المكان آمنا للمبيت لكنها تقول أنها تعبت من عيش “حياة الزنقة”.

الساعة تشير إلى الثانية صباحا، قافلة حملة دفئ تتّجه في هذه الأثناء إلى آخر محطاتها وهي وسط المدينة، عبد الكبير الرجل المسن لم ينم بعد، إقتربنا منه ودردشنا معه قليلا.

يقول عبد الكبير الذي عاش في تونس والعراق وإيطاليا، “بلادنا زينة ولكن خليونا نعيشو فبلادنا ومنحكروش بعضياتنا”.

من بين ما يزعج عبد الكبير هو إيداعه بإحدى “الخيريات” والتي وصفها بأنها “متّسخة وتفتقر إلى أبسط شروط العيش ولا تتوفر على الماء والكهرباء، فضلا عن إيداع المختلين عقليا بها”، وهو الأمر الذي يرفضه عبد الكبير قائلا: “واش أنا هبيل يديوني تما”.

في ختام جولتنا، تمكّنت جمعية مغاربة متضامنون بلا حدود من توزيع أزيد من 60 وجبة ساخنة إضافة إلى عدد من الملابس والجوارب والأغطية والأفرشة حسب حاجة الأشخاص المقدمة لهم وبعد المعاينة.

رئيس الجمعية في نهاية حملة إلتفاتة دفء، دعا إلى توفير مأوى لهذه الفئة من المجتمع، معتبراً أن هذه الحملات -التي دعا الجمعيات إلى تعميمها على المستوى الوطني- دورها هو التخفيف من حدة المعاناة فقط، مشيراً إلى أن في الكثير من الحالات تتعرض هذه الفئة للإعتداءات والتجريد من هذه الأغطية الأفرشة والملابس المقدمة لهم، خاصة النساء والفتيات والأطفال.

تنويه: نحب أن ننوه زوارنا الكرام أنه إستجابة لرغبة الأشخاص بدون مأوى المستجوبون قمنا بإخفاء ملامحهم وتقديمهم بأسماء مستعارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *