بقلم: عبد المنعم الكزان

ما أشهده لك على الأقل، تواصلك الدائم، وهو أمر لا يتحقق عند مجموعة من القيادات الحزبية، حتى في التنظيم الذي ينتمي إليه هذا الإنسان البسيط، الذي طالما اجتهد في التفكير في الواقع الحزبي ، أتذكر يوما في اتصال هاتفي جرى بيني وبينك حول واقع الأحزاب السياسية ، وطلبت مني ألا أعمم ، وهذا دأبي فقد تجد الفضلاء في الأمكنة التي لا تتوقعها ، كما أن تجارب الحياة علمتني ، أن لا أطلق الأحكام دون تمحيص، لربما كانت لك مقدمات انطلقت منها في تعميمك ، كما لنا مقدماتنا كذلك، وما يقال على جميع الأحزاب السياسية أكبر بكثير من الوقت الذي استقطعته لذم حزب الأصالة والمعاصرة، وهي بالمناسبة منطلقات جدلية ، لا تستقيم مع أدبيات الحوار الذي تلقفه أهلنا من أهل التوحيد (الأشاعرة) على يد المتقدمين (الأشعري ، الجويني، الغزالي) تعلي من قيمة التصاوب والتعاون في إرتياض الحق ، والكلام بما فيه تحصيل للفائدة ، والرجوع عن الباطل من الاعتقادات متى ظهر بطلانها بعيدا عن التحيز والغلبة والنصرة لمذهب معين بشتى الطرق ، سواء خست مرتبتها أم علت، حتى وإن كانت مشهورة عند نفس الأمة أو الطائفة المنتمي إليها ، وهي قيم وقواعد لا تختلف بل وفي بعض الأحيان أكثر تقدما مما وصلت إليه الفلسفة المعاصرة، اليوم في مجال تدبير الإختلاف المصبوغ بالمنفعة والصالح العام ،وهو ما يوازي اليوم أخلاقيات النقاش العمومي في مجال المداخلة السياسية والمطارحات المذهبية الحزبية في المدرسة التداولية، التي حاولنا قدر المستطاع الإسهام في تكريسها.

قد لا تختلف معي أن التنظيمات الحزبية ، عبارة عن مركبات مصالحية، كما أن الترقية السياسية يرتبط  جزء كبير منها  بأشكال القرابة والقبيلة ، في مقابل خطاب وممارسة ينبنيان على أساليب المزايدة، وإعادة إنتاج نفس أنماط الخطاب الثقافي الذي يتغنى بتمجيد الماضي أو خطابات المؤامرة ، أو وتهيج العوام من الناس  و بإدعاء حقيقة التأويل والفهم الأصيل للدين، هذا الأمر الذي كنت قد سبق وأن نبهت إليه، لأنه يعيد بناء نفس الاستعدادات البعدية للمنخرطين الحزبين سيكولوجيا بشكل لا شعوري ، قصد تكريس التشابه والتنميط والضبط النخبوي ، حتى أصبح التقارب مع القيادات وعدم الاختلاف معها سمة أساسية للبقاء وللحفاظ على المكتسبات السياسية ، وبغير ذلك فالموت السياسي، وهذا الأمر يساهم اجترار نفس الخطابات ونفس عقد الماضي ، بالشكل الذي يحافظ على استمرار نفس النخب، ونفس العائلات داخل التنظيمات الحزبية، ومؤسسات الدولة ، بشكل مفارق مع بنية المجتمع ، كما يساهم في تكريس واستمرار القطيعة بين مؤسسات الدولة و المجتمع ، إما بشكل واعي أو من خلال لا وعي للمنخرط الحزبي ، مما يعيد إنتاج نفس نمط الفاعلين السياسيين، بل ونفس الأفكار دون حس إبداعي .

 كما أن أغلب النقاشات والصراعات السياسية ، لا تكون حول البرامج السياسية التي هي عمليا أساس وجوهر أي فعل سياسي بقدر ما تتجه إلى نقاشات لا أهمية لها، ولا علاقة لها بالقضايا الحقيقية للمغاربة ، فما جدوى الديمقراطية والأحزاب إذا كانت لا تساهم في تنمية المجتمع وتقديم برامج قابلة للنهوض بالوطن والمواطنين على حد سواء؟

 إن الاختلاف المثمر والمبدع هو أساس التطور ، وليس التعليب في أطر إديولوجية ضيقة لبست لبوس القداسة والأدلجة ، فلا كلام ولا فكر إلا في حضرة الإختلاف بل لا تعقل ولا إستدلال ولا نقاش في حضرة التشابه والتطابق فما هو متفق عليه لا يحتاج إلى نقاش.

ما نحتاجه اليوم معارضة غير مزايدة، وحكومة تبذل قصار جهدها في تحقيق ما وعدت به الشعب ، بعيدا عن الشمولية والإنغلاق و الأحادية والتشابه، فلنجرب الاختلاف ولو لمرة، ولننزع ثوب القداسة عن السياسة لأن السياسة لا تمت للقداسة بصلة، نحن أبناء زماننا لقد عانينا الأمرين من صراعات ربما بالنسبة لي لعقدين من الزمن، أي مدة أطول من الحزب الذي أنتمني إليه، و لا يستفيد من الصراعات  منها إلا صانعها، أما المواطنون البسطاء فمجرد وقود لحرب لا فائدة مرجوة منها إلا الهباء ، أما الفاعلين فلا يهمهم إلا المكاسب الشخصية للعائلة و الأقارب وتغيير القاعدة للإستمرار في القيادة.

أتمنى صادقا أن تدافع عن انتمائك الموضوعي الذي يجمعنا جميعا، وهو أكبر بكثير من معارك ضيقة قصمت مستقبلنا و اغتصبت أحلامنا ولازالت تفعل فعلها ، أما الأحزاب فهي مجرد مؤسسات شاءت الصدف والغيرة الوطنية أن ننتمي إليها مهما اختلفت التقديرات، إنها هيئات متحركة برجالاتها وأفكارها ، وأكيد أن واقع الممارسة يغير الشيئ الكثير، فكما أن واقع العدالة والتنمية اليوم ليس هو واقع الأمس، فكذلك الشأن بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة ، ما أتمناه صادقا أن تكرس أخلاقيات النقاش والنظر على مستوى التواصل السياسي تعلي من قيم التعاون والتصاوب و الإعتراف، وتبخس من قيم الإستعلاء، والغرور، قصد تليين الإختلافات ، فلا عاقل إلا بعتباره ناظرا متقلبا مختلفا إما في علاقته مع الذات المتفردة ، أو في علاقته مع الأغيار .

حوار حصري.أفتاتي:العدالة والتنمية لن يتحالف مع وهبي و إكرام “البام” دفنه قبل مؤتمر البؤس وبعده

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *