بقلم: يونس التايب

 لا يمكن سوى الابتهاج بالتوقيع، يوم أمس، أمام جلالة الملك على ثلاث اتفاقيات متعلقة بتنفيذ البرنامج المندمج للدعم والتمويل المقاولاتي، الذي حدد هدف خلق ما يناهز 27000 فرصة عمل جديدة ومواكبة إضافية لـ13500 مقاولة. و لا بد من الوقوف عند التزام وزارة الاقتصاد والمالية، و بنك المغرب و القطاع البنكي، بنهج سياسة أكثر إرادية، من حيث تبسيط المساطر، وتسهيل شروط الضمان مع إلغاء الضمانات الشخصية، وخفض كلفة القروض.

 وبحسب المعطيات التي تم الإعلان عنها يوم أمس، يتضمن البرنامج ثلاثة محاور أساسية، هي التمويل المقاولاتي، وتنسيق عمليات الدعم والمواكبة المقاولاتية على مستوى الجهات، والإدماج المالي للساكنة القروية. و قد تم، بموجب قانون المالية لسنة 2020، إنشاء حساب مرصد لأمور خصوصية يسمى “صندوق دعم تمويل المبادرة المقاولاتية”، بمبلغ 6 ملايير درهم، على مدى 3 سنوات في إطار شراكة بين الدولة والقطاع البنكي، على أساس مساهمة من الدولة بـ3 ملايير درهم ونفس المبلغ من القطاع البنكي.

 وسيعمل هذا الصندوق على دعم الخريجين الشباب حاملي المشاريع والمقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتمكينهم من الولوج للتمويل، وكذا دعم المقاولات العاملة في مجال التصدير، وتمكين العاملين في القطاع غير المنظم من الاندماج المهني والاقتصادي.

 لا شك أن الشباب المغربي الباحث عن تحقيق اندماج اقتصادي واجتماعي، وكل الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا، كانت تنتظر الطريقة التي سيتم بها تفعيل التوجيهات الصارمة التي جاءت في خطاب جلالة الملك، يوم افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان بغرفتيه.

والكل ظل يترقب كم من الوقت سيلزم الجهات المختصة لتترجم الرؤية الملكية إلى برنامج عملي يحمل تمويلا يوازي الطموح المعلن، بأهداف واضحة و منهجية تدببر رصينة، و التزام قوي لكل الأطراف المعنية بالانخراط في إنجاح هذا الورش الجديد. والأكيد أن سرعة الانتقال إلى الشق العملي، بعد ثلاثة أشهر فقط، لا يمكن إلا أن يعتبر بداية جيدة تتيح تفاؤلا مشروعا بشأن النتائج التي ستتحقق.

ومع الإقرار بحقيقة وقوة الطموح المعلن يوم أمس، يجب أن نستحضر أن تفاعل بعض المواطنين قد ينطلق مما ترسخ في الذاكرة من إرث سلبي لتجارب مماثلة سابقة، لا داعي لنعيد التذكير بما كان فيها من اختلالات، لأن ذلك تمرين تقييمي سبق أن تم في عدة مناسبات، من طرف عدة جهات، و كتب عنه الكثير. لذلك، من الواجب علينا أن نعبر عن أمنية صادقة بأن نكون، انطلاقا من يوم أمس، بصدد بداية نوعية مغايرة، بحكامة متميزة لملف استراتيجي يوليه ملك البلاد شخصيا كريم عنايته، ألا وهو دعم الإندماج الاقتصادي للشباب عبر المساهمة في تمويل مشاريعهم بشروط محفزة.

 إن الظرفية الحالية، الموسومة بنقص كبير في منسوب الثقة، و تمدد حملات التشكيك والتسفيه لتشمل كل مبادرة تحدث في هذا الوطن، تفرض علينا بالضرورة أن ننجح البرنامج الجديد، و أن نضمن له شروط التميز و الجودة، و نبعد عنه أيادي الإفساد والبيروقراطية.

 لذا على كل المؤسسات المنخرطة فيه أن ترقى إلى مستوى ما تقتضيه المرحلة من تيسير كبير لمجهودات الشباب حاملي المشاريع، وتخفيف الأعباء الإدارية عنهم أثناء إعداد ملفاتهم، وتمكينهم من مواكبة صادقة ودعم احترافي ومهني عالي المستوى، واعتماد منهجية تتضمن هندسة الدعم والمواكبة للشباب، في مرحلة ما قبل انطلاق المشروع وكذا بعد انطلاقه، من خلال دينامية دعم القدرات التدبيرية، ومؤازرة الشباب في مجال تقنيات الولوج إلى الأسواق والتواصل والتشبيك. 

 ولا شك أن عددا من المؤسسات والبرامج الوطنية ببلادنا تتوفر على تصورات عملية لإنجاح مثل هذا المسعى، بشكل عام، بناء على ما تم إعداده في نطاق مجالات تدخلها العادي، سواء على مستوى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الثالثة، و خصوصا المحور الثالث من برنامج عملها، أو على مستوى برامج الوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، أو على مستوى الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب، وما أعده فريق الرئاسة المنتخب أخيرا، من برامج مهمة.

 كما لا يجب أن نغفل الإمكانيات الأخرى الكفيلة بأن تمنحنا قيمة مضافة، خصوصا ما يحمله برنامج آخر أطلقه سابقا عاهل البلاد، ألا و هو برنامج “مدن المهن الكفاءات”، الذي رفع تحدي تأهيل الرأسمال البشري الشاب، من خلال عصرنة مؤسسة مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، والرقي بالتكوينات التقنية لتساير انتظارات الاقتصاد الوطني.

 وبكل تأكيد إذا ما تم السير على نهج التقائية التدخلات والتنسيق وتكامل الخبرات، فإن قوة الديناميكية المواكبة للبرنامج المندمج لدعم وتمويل المقاولات، ستزداد وتخلق أثرا كبيرا في كل المجالات الترابية جميعها.

 وبموازاة ذلك، يجب أن نكون واضحين في أن البرنامج الجديد لن ينجح إلا بثقة المستفيدين منه ومسارعتهم للانخراط فيه والدفاع عنه. لذا، أتمنى أن لا يتردد الشباب المعنيون والراغبون في إنجاز مشاريع مقاولاتية خاصة قابلة للتنفيذ، في أن ينخرطوا في هذه الديناميكية الاقتصادية المعلن عنها، و أن لا يسقطوا في فخ التشكيك و التوجس. بل عليهم أن يبادروا إلى المساهمة في إنجاح هذه التجربة، وأن لا يستمعوا لمن سيقولون لهم من الآن أن “لا… هادشي ما غادي يكون منو والو ….. و عاود غادي يعطيو الفلوس لمن بغاوا… راه برامج سابقة ما دارت والو … راه ما كاين غير باك صاحبي…”.

بالمطلق مثل هذا الكلام، و لو ثبت مستقبلا حصول حالات انحراف غير مقبولة، هو كلام سلبي وغير موضوعي و سابق لأوانه. والحكمة والموضوعية تقتضي من الشباب المستهدفين، خصوصا منهم الجيل الجديد الذي لم يعش مرارة تجارب مماثلة سابقة، أن لا يلتفتوا لدعاة التيئييس و محبطي الهمم، و أن ينتبهوا إلى أن هنالك بعض القوم لن يعجبهم العجب، هوايتهم المفضلة هي التشكيك في كل شيء و الإساءة لكل مبادرة. هؤلاء سيستمرون على ذلك الحال إلى يوم الدين، و لن يترددوا في محاولة هدم أشياء جميلة حتى قبل أن تتجسد في الواقع و يرى الناس بالدليل على أي شكل أتت. هؤلاء نماذج لا نفع فيها و لا خير يرجى منها، لأن الهم الأول لأصحابها هو إفشال كل العزائم حتى يسود القنوط و ظلام اليأس.

 لست طوباويا، وأقر مسبقا أن هذه التجربة الجديدة قد تعرف صعوبات وإكراهات، وقد يكون في الطريق بيروقراطيون، و قد يظهر من لا يفهم البعد الاجتماعي الخاص الذي تحمله مشاريع و برامج دعم الشباب، و من لا يتعاطى مع صعوباتهم و مع بعض النقائص التي تحتاج مواكبة ليتحقق إدماج الشباب، و قد يكون في الطريق من سيأخذ المسؤولية باستهتار و استخفاف و ليس بما تستحقه من تركيز و جدية. ذلك من طبيعة الفعل البشري في كل السياقات. لكن، بالتأكيد لن يكون ذلك هو حال جميع من في مسار هذا البرنامج الطموح، و بدون شك ستنتبه الجهات المختصة إلى ضبط الشكل التدبيري الذي سيواكب كامل مسار الديناميكية الجديدة منذ بدايتها، حتى يشمله تتبع كمي و كيفي، و سياسة تواصلية، و منظومة للمتابعة و التقييم و التصويب كلما استدعى الأمر ذلك.

 فقط، علينا أن نرفع منسوب الثقة و أن نأخذ في الحسبان أن هنالك كفاءات و معارف وخبرات كبيرة، يحملها أطر وطنيون مخلصون للمغرب و حالمون بصناعة رقيه و ازدهاره، و هؤلاء سينخرطون بقوة لينجح البرنامج المندمج لدعم وتمويل المقاولات لأنه استراتيجي، أتى في وقته المناسب و المرحلة تحتاجه بكل تأكيد. لذلك على الشباب المعنيين أن يسعوا، بذكاء و وعي و حرص، ليكونوا في الموعد و يكتبوا أسمائهم ضمن ذلك الجزء من شباب المغرب الذي سينجح في تحويل أكبر الطموحات إلى واقع معاش.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *