بقلم : حسنى أفاينو

هي ابنة سوق الأربعاء، ربيعة عسول، سلالية قوية، صقلتها الحياة، وعلمتها دروب الكفاح أن أولى أعتاب النجاح عدم الاستسلام، والصبر والثبات، وأن عناء الخريف يُسَرِّيه جمال الربيع وحصاد الصيف، فنجحت كأم مطلقة، وتألقت في عملها، وكانت أول امرأة في تاريخ الجماعات السلالية بالمغرب، تفوز بالانتخاب بمنصب نائب الجماعة السلالية ولاد حماد سوق الأربعاء.
اكتسبت ربيعة عسول في بيئة تنشئتها وسط سبعة إخوة ذكور، خصال المنافحة والقوة والاستقلالية، فصنعت من الكبوات معارج للنجاح، إذ لم يزدها وضعها كامرأة مطلقة تنوء بمسؤولية تربية وإعداد رجل المستقبل إلا قوة وإصرارا على خوض غمار الحياة بكل مسؤولية، فشقت طريقها نحو العمل لتأمين مصاريف العيش وتكاليف دراسة ابنها .
الأبواب الكبيرة مفاتيحها صغيرة، حكمة جسدتها عسول، فانطلقت في بداية مشوارها بالعمل في مخدع هاتفي، لتدفعها همتها العالية إلى التفكير في خلق مشروع خاص بها، تمثل في اقتناء آلة خاصة بصناعة السفيفة التقليدية التي تستعمل في خياطة الجلابيب التقليدية، وبفضل مثابرتها وتدبيرها، تمكنت من اقتناء آلة ثانية وثالثة ورابعة، ثم وسعت مشروعها واستكملته بفتح محلين خاصين ببيع لوازم الخياطة والحرير والصابرة.

صناعة السفيفة

هذه المرأة السلالية التي لم تستكمل تعليمها الثانوي، واصلت تعليمها في مدرسة الحياة، فاستمدت قوة شخصيتها من تجاربها ومن احتكاكها بأصناف وفئات متعددة من الناس بحكم طبيعة عملها في الخياطة والتجارة، وهو المجال الذي قالت إنه كان في البداية حكرا على الرجال بالمدينة، “إذ كنت أول امرأة في مدينة سوق الأربعاء تقتحم هذا المجال (فتح محل لآلات صناعة السفيفة)، وواجهت مضايقات كثيرة، خصوصا وأنني كنت امرأة مطلقة بما يحمله ذلك من رواسب مجتمعية إضافية ضاغطة علي”.
تقول عسول في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنها كانت ترتدي “قناع الصرامة والحزم الشديدين” لفرض احترامها في وسط مهني كان يهيمن عليه الذكور، حتى تمكنت بفضل مثابرتها وخبرتها المهنية وذكائها الاجتماعي في التعامل مع الناس بمختلف أصنافهم ومستوياتهم الاجتماعية، من تخطي العقبات التي كانت تعترضها ، فذاع صيت عملها وتألقت بالمدينة ، ما زادها قوة في مسيرة نجاحها.
“كنت أتابع العمل بثلاثة محلات في يوم واحد، وأحيانا إلى وقت متأخر من الليل خصوصا في المناسبات الدينية كشهر رمضان” تقول بنت عبد السلام بن بوسلام ، ” تحملت ذلك حتى لا أخذل إبني وذاتي، والحمد لله أنهى ابني دراسته واشتغل”.
ليس من السهل أن تعرج على مسار امرأة مكافحة في بضعة سطور، وتختزل عمرا من المكابدة والسهر لإثبات الذات والوفاء بالمسؤولية وتأمين حياة كريمة في حدود زمن الخط على ورق.
بعد استكمال رسالتها كأم ، انخرطت عسول في العديد من المبادرات ذات الطابع الاجتماعي والخيري من خلال جمعيات ومؤسسات خيرية.
“عندما تعالت الأصوات لحل مشكل الجماعات السلالية، معززة بالخطاب الملكي ، تابعت الموضوع واطلعت على حيثياته ، فقررت أن أتطوع لخدمة ذوي الحقوق في الجماعة السلالية ولاد حماد التي أنتمي إليها، لا سيما حقوق المرأة السلالية، وأترشح لمنصب النائب” تقول ربيعة بنت عبد السلام ، وذلك من أجل تصحيح الوضع الذي كان قائما على التعتيم والإقصاء والتهميش، وتمكين أبناء الجماعة السلالية أولاد حماد سوق الأربعاء الغرب بدون استثناء من الاستفادة من حقوقهم في الأراضي السلالية، بما يحفظ كرامتهم ويحسن وضعهم المادي والاجتماعي.

تتويج الحماديين

ربيعة عسول التي فازت عبر الانتخاب بمنصب نائبة الجماعة السلالية ولاد حماد سوق الأربعاء يوم 21 دجنبر 2019، بـ 135 صوتا مقابل 99 صوتا، وبنسبة مشاركة بلغت 75ر63 من أصل 371 سلالية وسلاليا مسجلا بلائحة المصوتين، اعتبرت فوزها تتويجا للحماديين كافة ، وعرسا ديموقراطيا فريدا ملهما لباقي الجماعات السلالية بأنحاء الوطن.
وحول الصعوبات التي واجهتها للترشح لهذا المنصب، قالت عسول “تعرضت للمضايقات والسب والشتم والتشهير والتهديد والوعيد والاستهزاء والإهانة والتحقير وهم يرددون : كيفاش بغيتوا تديروا علينا امرا” في إشارة إلى رفض المعارضين لتقلد امرأة سلالية منصب نائبة جماعة ولاد حماد، ورغبة منهم في إبقاء الوضع على ما هو عليه من تعتيم واستفراد قلة بالاستفادة من أراضي هذه السلالة.
وأمام هذا الصد العنيف، والمضايقات الشديدة، باسم الأعراف والتقاليد المجحفة، في حق الإنسانية قبل أن تكون في حق المرأة، تقول عسول، “قمنا بحملات تحسيسية، وتأطير مكثف لاستجلاء حقيقة الأمر للسلاليين والسلاليات ، وتوعيتهم بحقهم في الاستفادة من أراضي الأجداد نساء ورجالا على حد سواء”.
وأضافت أن هذه الجهود تكللت بالنجاح وتوجت بفوزها بمنصب نائبة الجماعة السلالية ولاد حماد سوق الأربعاء الغرب، بفضل التعاون والتواصل المكثف بين السلاليات والسلاليين، ودعم جمعية ممثلي عائلات الجماعة السلالية أولاد حماد سوق الأربعاء الغرب، والسلطات المحلية التي أمنت ظروف عملية الانتخاب.
“هذا الفوز أهديه لكل امرأة، خاصة المرأة السلالية ، ولآبائنا وأجدادنا عرفانا لهم، وللشيوخ والمرضى الذين تجشموا عناء التنقل للإدلاء بأصواتهم ، وللسلاليات والسلاليين من طنجة إلى الكويرة ولكل غيور وغيورة على المرأة المغربية وعلى ذوي الحقوق في هذا الوطن” تقول النائبة عسول .
بهذا التتويج، تكون سلالة ولاد حماد سوق الأربعاء الغرب، قد دخلت التاريخ من بابه الواسع، برد الاعتبار للمرأة السلالية بأسلوب حداثي ديموقراطي لا غبار عليه، ما يؤكد قدرة المرأة كقوة ناعمة على الإنجاز الحضاري الراقي، بعزيمة وثبات وصمود في وجه أعراف ذكورية مجحفة ومتصلبة.
ويحق للحماديين رجالا ونساء سواء داخل الدوار أو خارجه، في المدن وخارج الوطن، أن يفخروا بكونهم على مدى سنتين من العمل الدؤوب والتواصل البناء والمستمر تمكنوا من تأسيس أول جمعية في تاريخ الجماعة تجمع ممثلي عائلات الجماعة السلالية ولاد حماد سوق الأربعاء الغرب، واعتماد الانتخاب في تحديد النائب بدل التعيين المعمول به سابقا، وتقلد امرأة سلالية منصب نائبة الجماعة السلالية ولاد حماد، وذلك لأول مرة في تاريخ الجماعات السلالية بالمغرب .
وأكدت عسول أن يدها ممدوة وبحسن نية لجميع السلاليات والسلاليين سواء الذين ساندوها أو المعارضين، وأنها عازمة على خدمة الجميع بإخلاص وشفافية وأمانة من أجل إنصاف ذوي الحقوق نساء ورجالا بعيدا عن ممارسات التهميش والتعتيم والإقصاء ، “وفاء بالقسم الذي أديته أمام الله والناس وتجسيدا لمبادئ متأصلة في عقيدتي سواء في حياتي الشخصية أو المهنية أو الاجتماعية “.
من هذا المنطلق، تعتقد السيدة عسول أن من حق كل سلالية وسلالي التعبير عن رأيه فيما يخص قضايا الجماعة السلالية ولاد حماد، وإغناء النقاش حولها من أجل إثراء هذه التجربة والنهوض بالساكنة كافة وتنمية المنطقة، بما يجعلها نموذجا يحتذى على المستوى الوطني.
وأشارت إلى أن تدبير ملف الأراضي السلالية من التعقيد بمكان، ودونه صعوبات وإشكالات تحكمها نوازع متضاربة ذات بعد سوسيو اقتصادي تحتاج إلى كثير من الحكمة والحنكة والتعاون والاتزان في المعالجة وتدبير الاختلاف.

مؤسسة النائب

وأكدت في هذا الصدد، أن مؤسسة النائب اليوم، ينبغي أن تنطلق بعقلية جديدة حديثة، وبنفس جديد وأعضاء جدد ، ذوي كفاءة وخبرة وحكمة و”خصال المعقول” بما يخدم السلالة، حتى يتسنى العمل معا بشفافية وبما يحقق طموح ساكنة جماعة ولاد حماد في تنمية محلية مستدامة تضع حدا للهشاشة بالمنطقة وتنهض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لأبنائها.
وحول تصورها لتشكيلة المجلس النيابي، ترى النائبة عسول التي يخول لها القانون تعيين أعضاء المجلس، أن يضم هذا الأخير أعضاء من أغلبية المؤيدين وقلة من المعارضين من الذين لم يسبق لهم العضوية في المجلس النيابي السابق، مع تعزيز دوره عبر خلق منتدى خاص به، يكون مفتوحا أمام انخراط كل سلالي وسلالية من أجل توسيع دائرة التشاور وتيسير اطلاعهم على مجريات الأمور الخاصة بالجماعة السلالية.
وتصر عسول على نقل تجربتها في تطوير ذاتها إلى باقي النساء في وضعية هشة بالمنطقة، لاسيما ربات البيوت غير المتعلمات أو ذوات التعليم المحدود عبر مساعدتهن على تعلم حرف واكتساب مهارات، وركوب المعرفة للخروج من نفق الهشاشة وعتمة الجمود، وإثبات ذواتهن كنساء فاعلات في المجتمع.
كما تطمح إلى إحداث تعاونيات بجماعة ولاد حماد ، لا سيما النسائية، في مجال الصناعة التقليدية والخياطة وغيرها ، واستقطاب استثمارات ومشاريع تنموية محلية ( مثلا مركب تجاري ومحلات تجارية لفائدة السلاليين) مدرة للدخل تنهض بساكنة المنطقة ، وتحد من آفة البطالة بجماعة ولاد حماد سوق الأربعاء الغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *