يونس التايب

غداة تشكيل الحكومة الجديدة، بعد التعديل الأخير، كتبت مقالا قلت فيه أننا محكومون بنتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2016، و ما أفرزته من احتلال حزب العدالة والتنمية للرتبة الأولى، واستحقاقه وفق مقتضيات الدستور، أن تُسند إليه مهمة تشكيل الحكومة، اعتبارا لشرعيته الديمقراطية القائمة حتى موعد الانتخابات التشريعية المقررة سنة 2021.

و قلت أنه “مهما بلغ الغضب من السياسات العمومية و من الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة، بإمكان المواطنين أن يعبروا عن احتجاجهم ورفضهم لهذه السياسات، إلا أنه لا يُمكن تغيير الحزب الذي يدبر الحكومة و الشأن العام، إلا من خلال عملية انتخابات ديمقراطية، يمكـن للناس فيها أن يختاروا أحزابا أخرى بديلة، إن وُجدت، و إن لاقى عرضُها السياسي وخطاب قياداتها، صدى لدى الناخبين.”

و بموضوعية قلت “أن علينا أن نتمنى النجاح لهذه الحكومة لأنها الخيار الوحيد الممكن في أفق السنتين المقبلتين، و لأن مشاكل مجتمعية كثيرة تنتظر الحل، و أوراش اقتصادية كبرى يجب أن تنطلق، و لا يمكن أن نلعب باستقرار الوطن، أو أن ندخل في متاهات شعبوية وسياسوية مقيتة.”

و تمنيت حينها “أن نستمر في مواكبة عمل الحكومة، و تتبع سياساتها وتقييم قراراتها و برامجها، لنتأكد من أنها تسير في اتجاه مصلحة المواطنين، أولا، و تحترم القيم و الأساسيات التي حملتها خارطة الطريق التي حددها خطاب العرش الأخير.”

و قلت بناء على ذلك، “أن على أحزاب المعارضة و على المواطنين عامة، أن يستغلوا ما هو قادم من زمن سياسي لتحقيق تصالح حقيقي يعيد الشباب إلى مجال الفعل السياسي، و يضمن عودة قوية للمشهد عبر تجديد النخب المُسيرة، و ترسيخ الديمقراطية الداخلية في صفوف الأحزاب، و تجديد البرامج و العروض السياسية، و تعزيز القدرة على الاستقطاب الجاد لأكبر قدر من الكفاءات، و العمل على إنتاج سياسات بديلة، و الاستعداد الجيد للاستحقاقات المقبلة حتى يتسنى تحقيق تناوب سياسي يأتي ببدائل أخرى ترقى لما ينتظره المواطنون.”

و نبهت إلى أنه “إذا ترسخ العزوف عن المشاركة، و استمرت النخبة في نضالها من أجل أولويات لا تتفاعل مع القضايا المجتمعية الحقيقية، وظلت نخبة شباب الوطن جالسة تنتقد و تقترح أمام شاشات الحواسيب و الهواتف الذكية، (دون النزول للمشاركة في الحياة الحزبية و التنظيمية على أرض الواقع)، فمن الآن، على الجميع الاستعداد لتقبل نتائج انتخابات تشريعية في سنة 2021، ستعزز مكانة الحزب الذي يقود الحكومة حاليا، والذي استطاع امتصاص الضربات و تمرير كل السياسات الاجتماعية والاقتصادية دون أن يتآكل رصيد شعبيته لدى قاعدته الانتخابية الأساسية، وحافظت قياداته و منتخبوه وفاعلوه الجمعويون على وتيرة مستمرة للنضال في الشوارع و الأزقة، ينسجون علاقات القرب والتواصل اليومي مع المواطنين.”

تحليل معطيات الواقع جعلني حينها أتنبأ بهذا الأفق بكل يقين، و أجزم أن هذا المنحى لن يغيره سوى “أن يصحو المجتمع و تصحو نخبه وقياداته، ونسترجع جميعا كل قيم الجدية و الاستقامة و الغيرة الوطنية، والقدرة على احترام الكفاءات و عدم التضييق عليها، وتجديد المشاريع السياسية على ضوء مستجدات الواقع، و التعالي على المنافع الشخصية و المغانم، و الحروب التي تحركها الطموحات الصغيرة، والكف عن التجاذبات السياسية المتمحورة حول الأنا.”

مرت أربعة أشهر تقريبا على التعديل الحكومي، و أظن أن هذه القراءة راهنية و لا زالت صحيحة بشكل كبير. فلا شيء تغير في معطيات الواقع إلى الآن :

– الحزب الذي يسير الحكومة مستمر في ديناميته السياسية والتنظيمية بشكل استثنائي.

– المعارضة الحزبية لا زالت غير موحدة و لا تنسق أطرافها، و أركانها الأساسية تبحث عن ذاتها و تحاول التعافي.

– العروض السياسية لا زالت عاجزة عن تجديد نفسها و فرض إيقاعها في معركة الإعلام و التواصل أمام قضايا “رأي عام” تتقاسمها قصص “حمزة…” و صراع “أهل الفن”، و صيحات “مول كذا …. و كذا” وأصحاب “الكاميرا الخفية” … و كائنات كراكزية أخرى.

– دينامية “العزوف الانتخابي و الابتعاد عن الأحزاب” تتعزز أكثر و أكثر في أذهان النخبة الشابة القادرة على تغيير المعطيات و الاختيارات، ولا شيء يبدو أنه يغريها بالمساهمة.

و كلما مر الوقت، كلما أصبح من الصعب تغيير الديناميكيات القائمة، خصوصا و أنه يبدو أن بعض المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية عموما، والتوازنات المالية و الماكرو اقتصادية، ستسير في اتجاه تحسن نسبي طفيف، خلال نهاية سنة 2020 و بداية 2021، مما سيعزز حظوظ تحول الرأي العام الوطني من و ضع “الغاضب من بعض سياسات الحكومة”، إلى وضع “المتفهم و غير الناقم”.

فهل سيتيح هذا الأفق، هامشا أكبر لإعادة تشكيل وعي مجتمعي بأهمية المشاركة السياسية للمساهمة في تدبير الشأن العام، و تعزيز المكتسبات الوطنية ؟

هل سنرى تحالفات حزبية وسياسية على أسس جديدة، بحكامة رصينة تعلي مقام المسؤولية و هيبة القانون و مؤسسات الدولة الوطنية ؟

هل سنرى خلق شروط فرز سياسي جديد، و “تحالفات سياسية بديلة”، ربما كانت ممكنة مباشرة بعد آخر انتخابات تشريعية، لولا ما كان من “اجتهادات” و “توجسات” أظهر التاريخ أننا أضعنا فيها طاقة وجهدا كبيرا؟.

أم أن هنالك من سيجد “متعة” في استرجاع لغة “التخندق الإيديولوجي” السياسوي العقيم، و يقرر “دفن الرأس في الرمل” لكي لا يرى توازنات القوى الحقيقية كما هي على الأرض لا كما قد نتوهمها، ويتم بذلك، مرة أخرى، هدر وقت إضافي نحتاج استثماره لتحقيق التوافقات التي تعزز الديمقراطية و دولة الحق والقانون، وتحقق التنمية الشاملة، و تفتح الباب أمام الإصلاحات الكبرى التي ستزيد من رفعة الوطن، و تسهل التحديث المجتمعي، و عصرنة آليات التدبير العمومي بفاعلية، في احترم تام للتوابث الأساسية للأمة المغربية والهوية الوطنية الأصيلة والمنفتحة على المستقبل ؟.

وحدها تفاعلات الأسابيع المقبلة، ستبين هل سنلتقط الفرص المتاحة ونلج مسار البناء الجاد لمستقبل هذا الوطن الغالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *