طلحة جبريل*

كان مساءً حزيناً. في حدود التاسعة ليلاً غادر عبد الإله التهاني مقر وزارة الاتصال في مدينة العرفان. كان في وداعه الطاقم الإداري الذي عمل معه سنوات. كان التهاني يتأبط بعض مقتنياتها الشخصية من بينها كتابان. 

ألقى نظرة على المبنى الشاهق الذي تحول من “وزارة” إلى “قطاع” ضمن أربعة قطاعات، تقرر ضربة (أي لازما ثابتا) دمجها. ثم إلى السيارة نحو أسرته الصغيرة في بناية لا تبعد كثيراً عن “الحي الجامعي مولاي إسماعيل” .

سبق ذلك المشهد مشهد آخر، حفل توديع داخل مباني الوزارة، بمبادرة تطوعية من الموظفين، الذين اقتطعوا تبرعات من رواتبهم ليكون حفلاً مبهجاً على الرغم من لحظات مشوبة بالحزن.

بحكم موقعه، خاصة عندما كانت له صلاحيات بشأن منح “البطاقات الصحافية” فإن “نعم” كانت تجعله محبوباً، وعندما يقول “لا” يصبح خصماً، على الرغم من أنه كان يستند دائماً إلى القوانين ويجتهد عندما تسمح الواقعة له بالاجتهاد. إِذا وعد وفى حالا وإِذا كان يريد الرفض قال ” لندرس الأمر”.

كان أيضا مسؤولا عن “صورة المغرب” في الإعلام الداخلي والخارجي. كما كانت له علاقة ليست عضوية أو إدارية  في مسألتين، وهما “الدعم المالي للصحف” و”الجائزة الوطنية للصحافة”.

الذين يعرفون التهاني عن قرب يعرفون جيداً ثلاث خصال: المثابرة، والنزاهة، والكثير من الإباء وعزة النفس.

ظل غيوراً على صلاحياته وسخياً بأفكاره، يتميز بذكاء مرهف وروح مرحة ويشيع الابتسامة والتفاؤل ويميل إلى أجواء المرح حتى أثناء الاجتماعات. عندما يشارك في إجتماع فإنه لا يستعجل في طرح المواضيع الأساسية، وفي أغلب الأحيان لا يكون هو أول الداخلين في صلب الموضوع.

ربما تكون نقطة ضعفه مبالغته في الحذر. كان ينأى بنفسه عن أي تصرف يمكن أن يجلب له مجرد تلميحات بأنه يبحث عن مصلحة شخصية. ظن كثيرون أنه سيبقى في منصب المدير العام للمكتبة الوطنية، لكنه رفض رفضاً قاطعاً أن يطلب الموقع لنفسه، لذلك أنجز مهمته وعندما طُلب منه الانتقال مجدداً إلى “مدينة العرفان” امتثل دون أي لجلجة.

كل شيء له ثمن بالنسبة إليه وليس كل شيء بأي ثمن كان. يتابع أهدافه بعناد وله القدرة على التحليل بدقة ووضوح براغماتي. يتصدى للحقائق بلا أفكار مسبقة أو مواقف جامدة، يتعامل في داخل توازن القوى القائمة. يسيطر على نفسه، ماديا ومعنويا، بطريقة مدهشة.

يعرف كل ملفاته معرفة تامة، وبالتفصيل عن ظهر قلب. يقرأ كل شيء ويكتب المذكرات الإدارية بنفسه.

ها هي السنوات تتوارى دفعة واحدة، لكن ذلك لم يؤثر على عبد الإله التهاني في الأساسيات.

 إنّه حقّا عنيد.

 آه منك يا زمان.

***

*صحافي سوداني مقيم بالمغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *