عبد الرزاق بوتمزار

قيل الكثير (وسيقال) حول مأساة بوقنادل، التي راح ضحيتها مغاربة كلّ ذنبهم أنهم “قْطّعو” في هذه الرحلة تذكرتهم الأخيرة.. مأساة إضافية، حربُ سكك.. كأنّ حرب الطرق لا تكفي!؟

لن أتحدّث عن ترتيب المسؤوليات ولا الجزاءات ولا بالمحاسبة وكثير ممّا قيل (وسيقال) عن هذه الفاجعة الـ… إضافية. ولن أتحدّث عن صفحات وأسماء (حقيقية ومستعارة) تداولت تسجيلات يمكن أن تكون خيطا لترتيب الجزاءات.. أقصد، لفتح تحقيق وَ… هذا إنْ كانت التسجيلات حقيقية طبعا، ففي المغرب: مْغارْبة وْ… مْخارْبة. ولن أتحدّث عن “ذنب” المسافرين والرئيس حتى يُرزوا في أرواحهم ويُفجعوا أهلهم والمغاربة…

تُشكّل النكبات والأزمات مناسبة لتمييز معدن الناس وعيارهم. “في النكبات والأزمات تُميّز الرجالَ من الشّمايت”.. قال لي والدي، يوما، ومضى.. والمغاربة نوعان: الأول حين سمع بالأرواح التي أُزهقت على سكك “الخْليع” وعن الذين بُترت أعضاؤهم ونُقلوا إلى المستشفيات بين الحياة والموت، سارعوا إلى مركز تحاقُن الدّم لعلّهم ينقذون حياة. “بحال هادُو مْغارْبة تُرفع لهم القبّعة ويُشَدّ على أياديهم بحرارة”، كان يقول لي أبي قبل أن يمضي. شباب في مقتبل العمر وشابّات تَبنّوا مبادرات في مواقع التواصل ودعوا إلى التبرّع بالدم، فسارع آخرون وهرعت أخريات يلبّون النداء.. “بحال هادُو مْغارْبة تُرفع لهم القبّعة ويُشَدّ على أياديهم بحرارة”، قال والدي وتدارَك، قبل أن يمضي:
-أراك دابا لْ الشّمايتْ…

في الوقت الذي حصد الموت أرواح ضحايا بوقنادْل ونكب عائلات مغربية في أب أو أم أو عمّة أو خال أو أخت أو شقيق، واستوطنت البيوتَ الأحزان، كانت بعض الضباع تحوم حول الجثامين من أجل… سرقتها! آه، وْالله.. بْنادم جايّ يْسرق واحْد ميّت! مشهد مقرف لا يمكن أن يظهر فيه إلا…
-إلا شْمايْت مْقطّرينْ..
قال والدي ومضى.

مْخارْبة.. “كائنات” نعيش معها، مرغَمين لا أبطالاً.. مخلوقات عجيبة تزاحمنا في الأوكسجين والشمس والمطر فوق تراب هذه التّيرا غير السعيدة.. تّصوّرو مْعايَ، بْنادم ميّتْ وْانتَ تتخمّلْ فيه! أنا بْعدا، وْالله العظيمْ، حْتّى تلفاتْ ليَ الجّرْية فاش سْمعتْ هاد لعجبْ وتّخربقْ ليَ لبلانْ..

ولا أخفيكم أنني كنتُ بدأتُ هذا المقال تأسيسا على زاوية مختلفة تماماً عن هذه. لكنْ حين قرأتُ تدوينات عن تعرّض جثامين بعض الضحايا، وكذا مصابين، للسرقة، تداخلت الأمور في دماغي وتشوّشت الأفكار بخصوص موضوعي الأول وزاوية معالجته.. بْديت تندُوّرها ف راسي مْن ديك السّاعْ (وْبيني وْبينكمْ، مازالْ تندُوّر هاد اللقطة فْ دماغي حْتّى لْلآنْ): كيفاشْ تسرقْ بْنادم ميّت، إدا ما كْنتِ…

-شْماتة!.. بحال هادُو، مْخارْبة.. مُوتهومْ احسنْ من حْياتهومْ!

كان أبي يقول لي، قبل أن يمضي إلى غير رجعة.

وَقلتُ لي:
ماذا فعلنا حتى نضطرّ إلى التعايش مع مثل هذه المخلوقات فوق الرقعة الواحدة؟ أي ذنب اقترفنا كي نُعاقَب بتقاسُم الهواء والمكان والزمان مع… “هادْ البشرْ”؟!
وْالله ما باتْ تدخْل ليَ للدماغ، ما نكدبشّ عْليكمْ.. بنادمْ ميّت وْانتَ طامْع ليه فْ 200 درهمْ اللي (كانْ) تيكسابْ.. لا، بزّاف!

آه، نْسيتْ.. دابا عاد واحْد السّيدة طاحْ عْليها شي قنتْ من قنطرة فْ لوتوروتْ (بين الدار البيضا والوباطْ) وْ… ماتْت السّيدة وبنتها مْشات للسبيطارْ..

هل من تحقيقـ/ات؟
(لا أظنّ يا أبي)..
لا أظن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *