جمال أزضوض
2019، السنة التي شهدت جرائم قتل بشعة وطرقا لتصفية الآخرين أكثر بشاعة، بين دوافع الانتقام والرغبة في طمس معالم الجريمة المقترفة، في لحظات لا يتردّد فيها الجناة، تختلف فيها ردود أفعالهم، بين من يختار إحراق الجثة، ومن يختار تقطيعها أطرافا ليسهل إخفاؤها، ومن يحاول “الشطارة”، ليتملّص من مسؤولية القتل، كشنق الضحية لإعطاء الواقعة طابع حالة انتحار عادية..
لكن التحقيقات المنجزة على خلفية هذه القضايا التي سنتطرّق لها في هذا التقرير السنوي، كشفت معطيات صادمة، بعضها يصعب تصديقه، لكن في أغلبها، اعترف مقترفوها بأنها الحقيقة.
جرائم المغاربة في تقرير أممي
مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أصدر، في يوليوز الماضي، تقريراً وُصف بـ”الصادم” عن جرائم القتل في شمال افريقيا، إذ صنّف مدينة الدار البيضاء كأكثر المدن المتّجهة تصاعدياً في عدد جرائم القتل، إلى جانب العاصمة الجزائرية.
التقرير أشار إلى أن 29 في المائة من جرائم القتل في المغرب يقوم بها شريك حميم أو فرد من الأسرة، و8 في المائة نتيجة السرقة، و3 في المائة منها تنفذها عصابات في إطار الجريمة المنظمة. أمّا نسبة مرتكبي جرائم القتل الذين يكونون تحت تأثير الكحول، فتصل في المغرب، إلى 19 في المائة.
الجديد في سنة 2019 هي الجرائم التي أردنا أن نستهل بها هذا التقرير الذي استجمعنا فيه أبشع خمس جرائم شهدها المغرب في هذه السنة، (الجديد) هو الجرائم التي استهدفت الأطفال، هؤلاء الذين لا حول لهم ولا قوة، كانوا في وقت من الأوقات في مدينة من المدن المغربية في مرمى “الذئاب المفترسة”، تم قتلهم بدم بارد، بدافع الاغتصاب أو الانتقام أو ضحايا لمشاكل عائلية.
خناجر على أعناق الملائكة
“أنا لا أستطيع أن أعبّر.. لقد فقدت عقلي وبقي الجسد”، هكذا تحدّث محمد كمال البوجدايني إلى إحدى الجرائد الإلكترونية، بعد إعلان إختفاء ابنته “إخلاص” البالغة من العمر خمس سنوات، لم يكن يتوقع وهو في غابة بمنطقة “إيكردوحن” بجماعة “أزلاف” بميضار، إقليم الدرويش، يرعى أغنامه، أنه سيعود ويجد المنزل مقلوبا رأسا على عقب والأم “تهرول شمالا وجنوبا، صعودا وهبوطا للبحث عن ابنتها التي كانت تلعب إلى جانبها قبل 20 دقيقة”، يقول الأب وهو يحاول تمالك نفسه.
الجريمة المروعة، التي هزّت الرأي العام الوطني والدولي، كانت بدافع الانتقام. وأب الضحية، منذ التصريح الأول لوسائل الإعلام، بعد تعذر العثور عليها لأزيد من أربعة أيام، أشار بأصابع الاتهام إلى أحد جيرانه والذي تطبع علاقته به خلافات قديمة.
بعد شهر من اختفاء إخلاص، سيتم العثور على جثتها في غابة قريبة من منزل أسرتها. وأثبتت عملية التشريح الطبي أن أسباب الوفاة هي البرد والجوع. وأكدت التحقيقات فرضية الاختطاف، التي كانت رائجة منذ اليوم الأول من اختفائها.
عناصر الدرك الملكي في سرية ميضار إقليم الدريوش ستعتقل الجاني وهو يحاول جمع أغراضه قصد الفرار من المنزل، في الوقت الذي كانت زوجته ترقد بالمستشفى الحسني بالناظور بعد شجار نشب بينها وبين أهل الضحية. التحقيقات كشفت أن الموقوف هو نفسه الشخص الذي اشتبه فيه والد الطفلة. محكمة الاستئناف ستغلق القضية في أكتوبر الماضي، وستحكم على الجاني بـ25 سنة سجنا نافذا وتعويض لعائلة الطفلة قدره 50 مليون سنتيم، بعد اتهامه باختطاف وقتل الضحية بعد تركها في مكان خال نتج عنه موتها.
قتل بدافع الاغتصاب
في ليلة العاشر من يوليوز الماضي، اهتزت مدينة مكناس على وقع جريمة أكثر بشاعة من سابقتها، بعد العثور على جثة طفل في ربيعه الثامن مشنوقا بحبل إلى نافذة ونصف جسده عار، بعد تعرضه للاغتصاب داخل حجرة مهجورة بمقر الأكاديمية الجهوية السابق.
التحرّيات المنجزة على خلفية القضية كشفت أن الطفل تناوب على اغتصابه ثم قتله ثلاثة جناة مدمنون على الكحول والمخدّرات، والملقبون بـ”الحسكة” و”بيور” و”الرمجاني”.
الاستماع إلى الجناة كشف أن “بيور” (35 سنة) من ذوي السوابق القضائية في القتل العمد واﻻعتداءات الجسدية والجنسية، هو من اقتاد الطفل “رضا” من فضاء صهريج السواني إلى داخل البناية المهجورة، وهناك تناوب الجناة على اغتصابه، قبل أن يجهز عليه بيور والحسكة، حسب إفادة الرمجاني.
ضحية خلافات عائلية
اليوم الخميس 26 دجنبر الجاري، انطلقت فصول محاكمة زوجين متّهمين بارتكاب واحدة من أبشع جرائم المغرب هذه السنة، قتل طفل في السابعة من عمره وتقطيع جثته إلى أطراف ورميها في مطرح عمومي.
بدأت فصول الجريمة، التي هزّت، أواخر نونبر الماضي، مدينة العرائش، حسب ما أسفرت عنه التحقيقات، بعد استدراج الأب وزوجته للطفل، الذي يقيم مع والدته، وخنقه في دلو ماء، قبل العمل على تقطيعه ووضعه في الثلاجة لرمي أجزائه بشكل متفرّق حتى لا يتم اكتشافها.
الأب قال خلال التحقيق معه إن دافع ارتكاب الجريمة هو شكه في نسب ابنه من طليقته، ليقرر التخلص منه حتى لا يدفع النفقة “لطفل ليس من صلبه”، بتحريض من زوجته.
قتل غير مبرّر
في 26 من نونبر الماضي، سيجهز شخص ثلاثيني، يبدو في وضعية عقلية غير طبيعية، حسب ما أفاد به بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني، على طفل في الخامسة من عمره، يقطن بحي البركة بقرية أولاد موسى بسلا الجديدة، عبر ذبحه بسلاح أبيض قابل للطي، وذلك لأسباب غير منطقية أو ظاهرة.
الجاني سيقع في قبضة جيران الضحية مباشرة بعد ارتكابه جريمته المروعة، ويتم تسليمه لعناصر الشرطة، في الوقت الذي تجمهر عدد كبير من سكان الحي والأحياء المجاورة الذين طالبوا بإعدام الجاني والضرب بيد من حديد على مرتكبي مثل هذه الجرائم، التي تتكرر بين حين وآخر في “القرية” حسب السكان.
القتل تحت تأثير الكحول
الجرائم تحت تأثير الكحول في المغرب تمثل، حسب تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، نسبة 19 في المائة.في صباح يوم الجمعة الخامس من أكتوبر الماضي، سيعثر مواطنون في مدينة بركان على جثة (خمسيني) مرمية قرب باشوية سيدي سليمان شراعة. المواطنون اشعروا السلطات الأمنية، التي حضرت على وجه السرعة إلى مكان الواقعة، ليكتشفوا الصادم في القضية، جريمة قتل وإحراق للجثة.
السلطات الأمنية ستستنفر مصالحها وتعتقل الجاني، الذي اعترف بأنه كان رفقة الضحية في مكان الجريمة يعاقران مادة “الدوليو”، قبل أن ينشب خلافٌ بينهما حول 20 درهما، ثمن المخدّر الذي رفض الضحية تسليمه للجاني، الأمر الذي جعله يهوي على رأس الضحية بحجر كبير ويرديه قتيلا على الفور، قبل أن يضرم النار في جثته ويصب عليه ما تبقى من المادة المخدّرة ويزيد تأجيج النار، التي تفحّمت على إثرها الجثة.
جرائم المغاربة في تقرير الامن
كانت هذه أبشع خمس جرائم قتل اخترناها في هذا التقرير، والتي جرت أطوارها في المغرب سنة 2019، ورغم ما خلّفته هذه الجرائم من ردود الفعل وتخوّف متابعيها من تناميها، خاصة تلك التي تستهدف الأطفال، فإن الحصيلة السنوية التي نشرتها، مؤخرا، المديرية العامة للأمن الوطني، كشفت أن الجرائم العنيفة، والتي لها تأثير مباشر على الشعور بالأمن، مثل جرائم القتل والسرقات المشددة والاعتداءات الجنسية وغيرها، بلغت نسبتها 8,32 في المائة، مسجلة نسبة زجر في حدود 76 في المائة، وتراجعا ملحوظا في القضايا المسجلة مقارنة مع سنة 2018 بنسبة مئوية ناهزت 8,6 في المائة، بحيث شمل هذا التراجع، حسب الحصيلة ذاتها، كل أصناف الجريمة الخطيرة.