حسين عصيد

 

لا يمر يوم الـ 29 من دجنبر من كل سنة، إلا وتُخلد أسرة المقاومة وجيش التحرير ذكرى معركة جبل “بادو”، التي دارت رحاها سنة 1933،  واعتُبرت تاريخيا آخر حلقة في سلسلة المعارك التي خاضها أبناء قبائل إقليم الرشيدية ضد قوات الاحتلال الفرنسي، مجسدة أشرس مواجهة شهدتها نضالات المغاربة ضد الغزاة ، حيث شاركت فيها جميع القوات النظامية الآتية من المناطق العسكرية التي أنشأتها قوات الاحتلال بتادلة ومراكش ومكناس.

لم تتمكن سلطات الاحتلال من بسط نفوذها على باقي تراب إقليم الرشيدية، ودخلت في أعنف مواجهة عرفتها المنطقة بجبل بادو عام 1933،  أبلى خلالها المجاهدون من مختلف قبائل الإقليم البلاء الحسن، وتمكنوا من الصمود وإرباك صفوف الجيش الفرنسي المدجج بأحدث الوسائل الحربية، مما أدى إلى استشهاد العديد من النساء والشيوخ والأطفال الأبرياء.

أما المجاهدون، فقد اجتمع منهم عدد كبير من مختلف القبائل المرابطة بالإقليم، اعتصموا مقاومين بقمم ومغارات وكهوف جبل “بادو”، بعد تشديد الحصار وقصف جميع المداشر والقصور المجاورة للمنطقة، وسد كل الثغور لمنع المجاهدين المحاصرين من الحصول على الإمدادات والمؤن.

وفي صيف 1933، شرعت القوات العسكرية الفرنسية في عمليات تطويق المناطق الشرقية من الأطلس الكبير، حيث أعطى الجنرال هوري أوامره للمجموعات التي كانت على مشارف اغبالو نكردوس للزحف على تيزي نحمدون، وتطورت الأحداث في أواخر الشهر المذكور إلى مواجهات عنيفة في جبل “بادو” بين فرق المجاهدين وقوات الاستعمار، حيث أبان المغاربة في هذه المعارك عن روح قتالية عالية لصد المعتدين وأذاقوا فرق الغزاة أقسى الضربات وكبدوها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.

وأمام المقاومة الشرسة لأبناء تافيلالت، سعى المستعمر إلى وسائل الترغيب واستمالة زعماء المنطقة تارة ومحاولات فرض الحصار وتضييق الخناق على السكان وشن الهجومات المتوالية تارة أخرى، لكن المجاهدين بفضل ايمانهم وتمسكهم بمقدساتهم الدينية والوطنية ظلوا صامدين ومتحصنين بالكهوف والمغارات بجبل بادو ونحمدون وأيوب رغم قساوة المنطقة .

وقد تواصلت المعارك مجددا بين الطرفين، وبعد أن نفذ زاد المجاهدين من جراء الحصار المضروب على المنطقة توقفت المعارك، لكن جذوة مقاومة الاستعمار لم تنطفئ ولم تخب، وتحول أبناء إقليم الرشيدية مؤقتا إلى الكفاح في إطار الخلايا السياسية الوطنية، لينخرطوا بعدها في العمل المسلح ضمن حركة المقاومة المسلحة وجيش التحرير، فقاوموا ببسالة بمختلف الوسائل دفاعا عن الشرعية الوطنية وصيانة للمقدسات الدينية والوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *