حسين عصيد

 

لم يكن الصحفي مصطفى العلوي، الذي وافته المنية في 28 دجنبر الجاري، قلماً لامعاً بصم الصحافة المغربية طيلة عقود، بقدر ما مثّل جسراً يربط هذه مهنة المتاعب بأجيال ثلاثة من العهود السياسية التي شهدها المغرب، ليُعدّ بحق ذاكرة تاريخية تتبعت عن كثبٍ جل التحولات التي صنعت دولة المغرب بُعيد الاستقلال. كان كاتبا استثنائيا ، بسخريته اللاذعة وأسلوبيته في الكتابة ، لا يقبل التصنيف ، تضيق به الخنادق والاتجاهات ، كما تعتمل داخله تناقضات الكاتب الهادئ والمتمرد، والناسك والثائر، لكنه ظل مسكوناُ لـ 5 عقود بحب الخبر والناس معاً، من أقصى الوطن إلى أقصاه.

ازداد مصطفى العلوي في  28 دجنبر 1936 بالعاصمة العلمية للمملكة  فاس، وانتقل بعدها إلى الرباط التي حصل فيها  على شهادة الباكلوريا، وتابع دراسته العليا في المدرسة المغربية للإدارة سابقا، قبل استهلاله حياته الوظيفية كموظفٍ في مكتب الضبط التابع لوزارة التربية الوطنية.

ولم يكن مصطفى العلوي يخطط لولوج ميدان الصحافة، بل جاء هذا التحول في مستقبله المهني استجابة لنصيحة الأستاذ أحمد لخضر، الذي شجعه على ذلك،  نظرا لميوله الإعلامية الواضحة آنذاك.

لم يتأخر القدر حتى مكّن الشاب مصطفى العلوي من الحصول على منحة دراسية لسنتين بالعاصمة الفرنسية باريس، ستلعب دورا هاما  في مساره المهني، حيث تلقى تدريبا احترافيا في أكبر اليوميات الفرنسية مثل “لوفيكارو” و”لوموند” و”فرانس سوار”.

بعد عودته إلى المغرب، أصدر العلوي أول جريدة تحت عنوان “مشاهد أسبوعية”، قبل أن يتم حجزها، ليُصدر عددا من  الصحف الأخرى والتي بلغ عددها 15 عنوانا، أهمها “أخبار الدنيا”، “دنيا الأخبار”، “الدنيا بخير”، “ستة أيام”، “أطياف”، “الكروان”، “يومية المساء”، “بريد المغرب”، “فلاش ماكزين”، “الكواليس”، ثم “الأسبوع الصحفي”.

وإلى جانب عمله الصحفي، كان للعلوي حضور نقابي وثقافي لافت، حيث شارك في سنة  1963 بمعية مجموعة من الصحافيين في تأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وانتخب أمين مالها في أول مكتب لها، كما أصدر أول كتاب له  يحمل عنوان “الأغلبية الصامتة في المغرب”  في 1970، أتبعه عام 2011 بكتابه “مذكرات صحافي وثلاثة ملوك”،  تناول فيه علاقاته بشخصيات كبرى أثرت بشكل واضح في تاريخ المغرب المعاصر، إضافة إلى أحداث وذكريات وشخصيات ووقائع دقيقة عاشها، تأرجحت جميعها بين النجاحات والمحن التي ورّطته فيها مهنة المتاعب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *