عبد الرحيم خيّي بابا*

تهاطلت التعليقات وتناسلت البيانات والردود وتساقطت كأوراق الشجر في فصل الخريف، ولا شك في أنها ستتجاوزها المواسم وسيكون مصيرها كمصير أوراق الفصل الرمادي.

لماذا تشهر سيوف التنديد والتشهير في وجه عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عقب الخطاب الذي ألقاه في لقاء ميلانو، دون أن يأخذ أقطاب هذه الحملة التآمرية قليلا من الوقت للتمعن في مضمون الخطاب ومغزاه ومراميه؟

فعندما نتمعن في الخطاب نجده خطابا وطنيا صادقا، موجها للمجتمع المغربي بأكمله، ولكل مواطن غيور على مستقبل بلاده كي يتحمل مسؤوليته، ويؤدي أمانته وضريبة واجبه.

إنه خطاب موجه بالأساس إلى الضمائر الحية في مجتمعنا، وبالأخص إلى الهيئات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، للاضطلاع بمسؤولياتها وأدوارها في التربية والتأطير والتوجيه وتنشئة المواطنين وتوعيتهم بالتحديات الكبرى التي تنتظر المغرب.

لقد وقف المعلقون “المنافقون” عند “ويل للمصلين”، ففسّروا “شرع اليد” بالفوضى وعنف المليشيات والعودة إلى سنوات الرصاص…  إلخ. ووجهوا تهما باطلة نشتمّ منها رائحة المؤامرات الدنيئة، التي أصبحت تجارة مزدهرة عند زمرة فاشلة من سماسرة القول الرديء وزبانية الحوانيت الصحافية المفلسة.

لماذا يا ترى هذه الخرجات العنيفة المكثفة التي تأتي من جميع الجهات. والجواب: لأن خطاب السيد عزيز أخنوش يجسّد، وبجرأة نادرة، ثقافة سياسية جديدة وخطابا سياسيا جديدا عزم على القطيعة مع لغة الخشب والكلام المثقوب الذي يهيمن اليوم على المشهد السياسي المغربي البئيس.

إنه خطاب الشجاعة السياسية والأخلاقية، التي أصبحت منعدمة عندنا، خطاب النقد الذاتي والمساءلة والمحاسبة لكل الفاعلين السياسيين وجمعيات المجتمع المدني، لتقدم حصيلتها وإنجازاتها.

أين دور الأحزاب؟ أين اختفت الجمعيات الرياضية والثقافية؟ أين غابت دور الشباب، جمعيات الأحياء، جمعيات التلاميذ والطلبة والآباء والأولياء؟ أين هي مردودية الجمعيات الإحسانية؟ ما جدوى الجمعيات الحقوقية والترافع المدني عندما يتعلق الأمر بانتهاك الثوابت والمقدسات والقيم الوطنية التي تجمعنا جميعا تحت سقف الوطن؟

لقد أصبحت كثير من جمعيات المجتمع المدني تتميز ببياناتها ومؤتمراتها وحفلات استقبالها وتجتهد في جلب التمويل من كل المصادر وتوظيف الأشباح والأقارب دون أدنى ارتباط واهتمام بالعمق المجتمعي وبؤس المواطنين ومعاناتهم.

أجل، إن خطاب السيد عزيز أخنوش يعد خطابا خطيرا واستفزازيا لأنه يعلن ميلاد ثقافة سياسية جديدة ووعي سياسي جديد قرر القطيعة مع الثقافة السياسية الشعبوية اللامسؤولة، التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن من انسداد الأفق وفقدان البوصلة، وطبعا هذا لا يروق للذين أدركوا أن خطاب السيد عزيز أخنوش يفهم المغاربة ويفهمونه جيدا رغم كيد الكائدين.

***

*مغربي مقيم كندا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *