حسين عصيد

 

بُعيد عملية الاغتيال التي استهدفت  عن طريق الخطأ- شابا من رواد مقهى “لاكريم” وسط مدينة مراكش سنة 2017، تنبّه المجتمع المغربي  إلى التهديد الذي باتت تشكّله المافيا الهولندية، لا سيما الفرع المغربي منها، على أرواح المواطنين في المغرب، خاصة أن العملية الأخيرة في مراكش، أكدت أن منظمة “ملائكة الموت”، وعُرف اسمها من خلال التحقيقات التي أخضع لها منفذو جريمة “لاكريم”، والتي لم تكن عملياتها الاجرامية تتجاوز طيلة السنوات الماضية رقعة الاتحاد الأوربي، قد نقلت مؤخرا، في خطوة جريئة وصادمة، عملياتها إلى التراب المغربي.

لم تكن عصابة “ملائكة الموت” معروفة لدى أجهزة الشرطة الأوروبية قبل سنة 2012، حيث لم يكن رضوان تاغي قد بسط نفوذه بعد على الخطوط الكبرى لتجارة المخدرات عبر التراب الأوروبي بعد، والتي كانت تسيطر عليها عصابات ألبانية وروسية ومغربية أيضاً، كانت أخطرها تُدعى عصابة “زونبييت”، التي يرأسها المغربي سعيد ف، الذي يُلقبه مجرمو العالم السفلي بـ “زهرة عبّاد الشمس”، والذي تمكّن قبل سنة 2010 من ربط علاقات وثيقةً مع عناصر منتمين إلى عصابات من جزر الأنتيل ومع موظفين حكوميين في الموانئ القريبة، يستقبلون – في منأى عن أعين الشرطة الهولندية – شحنات المخدرات في حاويات تأتي على متن بواخر معينة، ليتم إرسالها إلى وجهات مختلفة في هولندا وبلجيكا، بينما يصل بعضها إلى مناطق بعيدة محادية لدول رومانيا وروسيا البيضاء أحيانا.

في عام 2012 اختفت شحنة مخدرات من ميناء “أنتويرب” البلجيكي، تبلغ قيمتها 200 مليون دولار، ما أدى إلى نشوب حرب اغتيالات بين العصابات المتنافسة في أوروبا، حيث اتهمت كل واحدة الأخرى باستحواذها على الشحنة، هذه الحرب التي أزهقت أرواح العديد من أهم تجار المخدرات في القارة العجوز، وأدت إلى إضعاف أهم العصابات فيها، وبالأخص منظمة “السلاحف”، لينتهز رضوان تاغي الفرصة، ويُسيطر على خطوط تجارة المخدرات التي تخلت عنها العصابات السابقة، لتكون تلك الخطوة التي انتهجها، أول الطريق إلى تعرف أجهزة الأمن الهولندية على شخصيته.

بقي تاغي بعيداً عن الأعين سنوات، حيث نشطت تجارة عصابته، حتى بات يربط صلات مع كارتيلات في أمريكا اللاتينية، ليُسيطر على ميناء روتردام الهولندي، الذي اتخذه بوابة يستقبل فيها المخدرات القادمة من أمريكا الجنوبية،  قبل أن يتورط، حسب ما أكدته وسائل إعلام هولندية، مع حكومات من دول أوروبا الشرقية، التي كان يمدها بأسماء أباطرة مخدرات بها، ليُمنح من طرفها الضوء الأخضر لاغتيالهم، في مقابل سيطرته على تجارتهم غير المشروعة.

لم تتوقف الحرب التي أعلنتها أجهزة الشرطة الهولندية على عصابة “ملائكة الموت” منذ 2012، حيث اقتحمت خلال هذه المدة عددا من مراكزها في أمستردام وروتردام وأوتريخت، معتقلة العشرات من عناصرها، ومُصادرة كميات هامة من المخدرات والسلع المسروقة، إلا أن المنظمة سرعان ما كانت تنتعش من جديد، خصوصاً وأن زعيمها رضوان تاغي كان متواريا عن الأنظار، حيث روّج من منفاه المجهول إشاعات تُفيد بأنه يعيش متخفياً في منطقة ماربيا السياحية بإسبانيا.

اعتُبر شهر أكتوبر 2019، العلامة السوداء في تاريخ منظمة “ملائكة الموت”، وذلك حين أعلن وزير العدل الهولندي فيرد غرابرهاوس، تخصيص الحكومة الهولندية لغلاف مالي يناهز 110 مليون يورو لمحاربة الجريمة المنظمة، هذا القرار الذي أطلقته الحكومة الهولندية مباشرة بعد مصرع المحامي  ديرك فيسوم رمياً بالرصاص، والذي كان يترافع في قضية المغربي نبيل التاج، أحد المجرمين “التائبين” الذي كان لسنوات بمثابة الساعد الأيمن لزعيم المافيا المغربي رضوان تاغي، قبل أن ينقلب على هذا الأخير.

ومع اعتقال رضوان تاغي في دبي في 16 دجنبر الجاري، بات سؤال يُطرح بإلحاح لدى الدوائر الأمنية الأوروبية وصحافتها، وهو هل ستبقى منظمة “ملائكة الموت” محافظة على نشاطها بأوروبا بعد اعتقال رئيسها؟ أم ستتمكن بطريقة أو بأخرى من تجاوز الأزمة والانطلاق في عالم الجريمة من جديد؟ !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *