le12.ma

يبلغ عدد المغاربة المقيمين في الخارج حاليا بـ5 ملايين مواطن ومواطنة، مستقرين في أكثر من 100 دولة عبر العالم. وتتميز هذه الفئة من المواطنين بارتباطها الشديد ببلدها الأم المغرب وبحرصها على المحافظة على الهوية الوطنية، في أبعادها الثقافية واللغوية. ويتجلى هذا الارتباط الثابت بالمغرب في العدد الهائل من المواطنين الذين يعودون كل صيف لقضاء عطلتهم السنوية في أرض الوطن، والذي يقدر بـ2.8 مليون شخص كل سنة. كما تعبّر هذه الفئة عن ارتباطها ببلدها الأصلي من خلال مساهمتها في تنمية الاقتصاد الوطني عبر التحويلات المالية، التي بلغت في 2017 أزيد من 65 مليار درهم.

وأظهرت دراسة أنجزتها الوزارة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، بتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “OCDE” في 2016، أن مغاربة العالم يتوفرون على إمكانات مهمة للمساهمة في التنمية السوسيو- اقتصادية لبلدهم المغرب، إذ أنه من أصل 2,6 مليون مغربي مقيم في دول هذه المنظمة، المشمولين بالدراسة أغلبهم شباب، إذ أن أعمار 70% منهم دون 45 سنة و500 ألف منهم حاصلون على شواهد عليا (باكالوريا + 5) و7 آلاف منهم أطباء و50 ألفاً منهم طلبة.

من هذا المنطلق، أعدّت الوزارة ونفّذت إستراتيجية وطنية لفائدة مغاربة العالم، تنبني على ثلاثة محاور أساسية هي المحافظة على الهوية الوطنية لمغاربة العالم وحماية حقوقهم ومصالحهم وتعزيز مساهمتهم في تنمية بلدهم المغرب. وقد تمت ترجمة هذه الإستراتيجية إلى ثمانية برامج متنوعة ومتكاملة تهمّ المجالات الاجتماعية، الثقافية والتربوية، والمساعدة القانونية والمواكبة الإدارية، وتعبئة الكفاءات والشبكات، والاستثمار والتنمية التضامنية، وتطوير الشراكة مع المجتمع المدني في الخارج وتطوير التواصل، إضافة إلى تطوير الحكامة.

​واعتبارا لما يشكله المكون الثقافي من وسيلة أمثل لتقوية الارتباط وتعزيز تواصل الأجيال الصاعدة مع بلدها الأصل المغرب، وفي الوقت ذاته أحد العناصر الأساسية في تكوين الهوية، عملت الوزارة على بلورة عرض ثقافي متنوع، يواكب احتياجات مغاربة العالم ويراعي مختلف خصوصياتهم وتطلعاتهم، يتم تنفيذه، بمشاركة العديد من الفاعلين، من خلال تنظيم ودعم أنشطة، سواء داخل المغرب أم خارجه.

​ففي المغرب، تعمل الوزارة على تنفيذ العديد من البرامج السوسيو- ثقافية، من بينها برنامج المقامات الثقافية، الذي ينظم لفائدة مختلف الفئات العمرية من المغاربة المقيمين في الخارج لإطْلاعهم على الثقافة والحضارة المغربيتين. كما تعمل الوزارة على تنظيم جامعات ثقافية لفائدة الفئات الشابة المتراوحة أعمارها ما بين 18 و25 سنة، بتعاون مع الجامعات المغربية، التي تسهر على عملية تأطير المشاركين وتوفير فضاء جامعي وأكاديمي يشجع على التواصل والانفتاح. ويستفيد من هذا البرنامج سنويا ما يفوق 500 مشارك من أزيد من 20 بلد إقامة. فخلال فترة لا تقل عن أسبوع، يستفيد المشاركون من العديد من الأنشطة والندوات التي تغْني معرفتهم بتاريخ بلدهم المغرب وبحضارته وثقافته وأهم أوراشه.
وفي هذا الصدد، نظمت الوزارة، بشراكة مع جامعة الأخوين في إفران، جامعة شتوية تمحورت حول موضوع “العيش المشترك”. كما نظمت، بشراكة مع جامعة السلطان مولاي سليمان في بني ملال، جامعة ربيعية، وجامعة صيفية مع جامعة عبد المالك السعدي في تطوان.

​على مستوى بلدان الاستقبال، بادرت الوزارة إلى إطلاق برنامج لإحداث مراكز ثقافية مغربية لتعزيز العرض الثقافي الموجه لمغاربة العالم والإسهام في إشعاع الثقافة المغربية في الخارج. ويعد المركز الثقافي “دار المغرب” في مونتريال أوّل لبنة في هذا البرنامج، في انتظار استكمال أشغال المركز الثقافي المغربي في باريس. كما تعمل الوزارة على دعم العديد من المشاريع في مجالات ذات أبعاد اجتماعية وثقافية، تسهر على تنفيذها فعاليات المجتمع المدني المغربي في الخارج.

​واعتبارا لأهمية المسرح ونبل رسالته التربوية ودوره في نفض الغبار الموروث الثقافي المغربي، بكل أطيافه، وزيادة إشعاعه، عملت الوزارة، منذ 2009، على تنظيم جولات مسرحية في عدد من بلدان الاستقبال. وفي هذا الصدد، تم تقديم ما يفوق 180 عرضا مسرحيا، بشراكة مع أزيد من 40 فرقة مسرحية، خلال موسم 2017- 2018، لفائدة المغاربة المقيمين في 15بلدا، في كل من أوروبا وإفريقيا ودول الشرق الأوسط، بزيادة ملموسة مقارنة مع الموسم الماضي. وينتظر أن تعمل الوزارة، خلال السنوات المقبلة، على توسيع فئة المستفيدين لتشمل جلّ بلدان إقامة مغاربة العالم.

وبهدف تطوير العرض الثقافي الموجّه لمغاربة العالم، وتنزيلا للمقتضيات الدستورية التي تجعل من الأمازيغية لغة رسمية للمملكة ورافدا من روافد الثقافة المغربية، واستجابةً لمتطلبات وانتظارات الجالية المغربية، التي تتميز بتعددها وتنوعها الثقافي واللغوي، أعدّت الوزارة، بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، برنامجا طموحا يروم تقديم 51 عرضا مسرحيا بالأمازيغية في عدد من بلدان الاستقبال، ستقدمها 12 فرقة من مختلف جهات المملكة.

وقد تم، في هذا الصدد، التوقيع على اتفاقية شراكة بين الوزارة والمعهد لإرساء آلية دائمة للتشاور والتنسيق قصد النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين لدى المغاربة المقيمين بالخارج، من خلال تنظيم تظاهرات ثقافية، سواء داخل المغرب أم خارجه، في مجالات الثقافة والتعبيرات الأدبية والفنية (الشعر والمسرح والموسيقى والأدب الأمازيغي) والعمل على إدراج البعد الأمازيغي ضمن برامج المراكز الثقافية المغربية التي تحدثها الوزارة، وتنظيم دورات تكوينية لفائدة المدرّسين لتعليم اللغة الأمازيغية، بتنسيق مع جمعيات مغاربة العالم، وكذا توفير الوسائل الديداكتيكية والبيداغوجية الضرورية.

كما تم إحداث لجنة مشتركة تضمّ ممثلين عن الوزارة والمعهد يعهد إليها بتحديد التوجّهات الأساسية للعمل المشترك بين الطرفين، والمصادقة على مشاريع البرامج والسهر على تنفيذها وتقييمها. وتمثل الفرق المسرحية المنتقاة في هذا الإطار مختلف أطياف اللغة الأمازيغية.

ويندرج إحداث هذه اللجنة في إطار مقاربة تكاملية ومندمجة أعدّتها الوزارة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، تجاوباً مع انتظارات وتطلعات مغاربة العالم، وخاصة في ما يرتبط بالحفاظ على هويتهم الوطنية في بعدها الأمازيغي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *