بقلم : يونس التايب

 

في مجمل القضايا الطارئة في واقعنا، نلاحظ تفاعلا تلقائيا سريعا، يصدر أساسا عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وتنخرط فيه فئات مجتمعية كثيرة و متنوعة.

و بغض النظر عن طبيعة المنطلقات التي لدى كل متفاعل، و مدى دقة التعليلات المقدمة للدفاع عن كل موقف و رأي، أظن أن هذه الديناميكية تكون إيجابية عندما تجعل من المواضيع الهادفة محورا لها. و علينا اعتبار ذلك أمرا محمودا يعكس حيوية المجتمع المغربي، و يبرهن على درجة متابعة أفراده لمستجدات واقعهم، و تجديدهم المستمر لتعبيرات الطموح للسير نحو الأفضل.

من المواضيع التي كان التفاعل منصبا حولها، خلال اليومين الماضيين، خبر تكليف السيد شكيب بنموسى برئاسة اللجنة الخاصة بالتفكير في النموذج التنموي الجديد. و من خلال متابعة التعليقات التي واكبت الخبر، ظهر أن المواقف تباينت بين من سجل للرجل “كفاءته و خبرته” و تمنى له التوفيق في مهامه، و بين من تمنى “لو أسند الأمر لوجه جديد و اسم من الجيل الجديد”، و بين من انتقد تعيين شخص “تقلد عدة مسؤوليات في ظل النموذج التنموي الذي وصل إلى الباب المسدود”، و بين من تسائل “كيف يمكن لرجل من رجالات النموذج التنموي المنتهية صلاحيته، أن يستطيع اقتراح نموذج تنموي جديد ينتظر منه المواطنون أن يحل شفرة التنمية العادلة المستعصية؟”.

مرة أخرى إذن يستحوذ السجال التفاعلي في الفضاء الأزرق على المشهد، و تتبلور داخله تضاريس و توجهات الرأي العام.

الإيجابي، في رأيي، هو أن التفاعل تناول موضوعا مهما و دقيقا، و هو ما يجب أن يبعث فينا الأمل، و ينسينا بؤس ما نقرأه من تفاعلات غارقة في قضايا لا نفع فيها و لا فائدة ترجى منها. و ظني أن الاهتمام بمسألة رئاسة اللجنة المكلفة بإعداد تصور النموذج التنموي الجديد، ما هو إلا دليل على حجم الانتظارات التي لدى المواطنين بشأن ما ستحمله هذه اللجنة من حلول و اقتراحات تبين السبيل إلى إطلاق الطاقات و تمكين الجميع من حقهم في عائدات التنمية. كما يعكس التفاعل، من جهة أخرى، استمرار ارتفاع منسوب اليقظة المواطنة، و الوعي المجتمعي. و هذا أمر جيد على كل الفاعلين تثمينه و التعاطي معه بأمل، لأنه الدرع الواقي ضد التجاوزات، و الضامن لرقي و جدية النقاش العمومي بشكل يقلص مساحات الرداءة و التسفيه.

أما في مضمون الخبر، أعتقد أنه لا معنى للتفاعل مع تكليف السيد شكيب بنموسى، إلا إذا انطلق من استحضار أمور هامة للغاية، اثنان منها تحدث عنهما جلالة الملك محمد السادس، في خطاب العرش لهذه السنة، بخصوص هذه اللجنة :

الأمر الأول، هو تأكيد جلالته بأن اللجنة “لن تكون بمثابة حكومة ثانية، أو مؤسسة رسمية موازية، وإنما هي هيأة استشارية، ومهمتها محددة في الزمن”.

و الأمر الثاني، هو أن  تركيبتها ستشمل “مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا”.

إضافة إلى هذين المرتكزين الأساسيين، لا مناص من استحضار أمر آخر هو كون المسار الأكاديمي للرئيس المكلف حافل بما يؤكد استحقاق الرجل و كفاءته العلمية، التي صقلتها تجاربه الكثيرة في القطاع الخاص، و كذا المهام الرسمية التي تقلدها.

و سواء في منصب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي اشتغل حول ملفات على علاقة وثيقة ب”النموذج التنموي”، و ب “السياسات العمومية”، أو قبل ذلك في منصب وزير الداخلية، أو من خلال المهام الحالية كسفير للمملكة المغربية في باريس، و ما تتيحه من انفتاح على التجارب التنموية الأوروبية، فإن للرئيس المكلف معرفة دقيقة بالواقع و  بمشاكله و إكراهاته، على مستوى أساليب وطرق التدبير العمومي و العقليات و الثقافات المؤسساتية، و بما في الواقع، أيضا، من عجز و من طاقات و فرص، على مستوى كل القطاعات و كل المجالات الجغرافية.

و هو ما يدفع على الاعتقاد بتوفر القدرات لتنسيق مجهودات كل الفرقاء الذين سيكونون جزءا من هذه دينامية اللجنة لبلورة مقترحات متميزة و رصينة.و بالتالي، رغم مشروعية و زخم الانتظارات من عمل اللجنة المكلفة بإعداد تصور النموذج التنموي الجديد، لا ينبغي أن يدفع ذلك إلى استعجال مجهود تقييمي استباقي للجنة لم تتشكل و لا زالت لم تنطلق في عملها. و من السابق لأوانه بلورة أي موقف من دينامية تشكيلها. ما يلزمنا هو شيء من التفاؤل، و كثير من الثقة في هذا المسار، وانتظار أن تكتمل الصورة لتشمل اللجنة بكامل أعضاءها، ومخرجات عملها، حتى يكون آنذاك للتقييم معنى و جدوى.

و في انتظار معرفة هوية باقي الأعضاء و الوقوف على كفاءاتهم العلمية و مجالات تخصصهم، و رصيد عطاءاتهم، و منهجية الاشتغال التي سيتم اعتمادها، لا يسعنا إلا أن نأمل بأن ورش التفكير الاستراتيجي الذي ستنخرط فيه اللجنة، سيحترم الأهداف التي حددها عاهل البلاد، وأن عملها سيتميز ب “الخبرة” و ب “التجرد” و ب”القدرة على فهم نبض المجتمع و انتظاراته”، و أن يتم كل ذلك باستحضار “المصلحة الوطنية العليا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *