حسين عصيد

 

بُعيد مصرع أبو بكر البغدادي وبداية أفول نجم تنظيم داعش الإرهابي، يسود نقاش محتدم بين الأجهزة الأمنية الأوربية حول مصير المئات من الأجنبيات اللواتي آثرن الالتحاق بداعشوعلى البقاء لينعمن في بلدانهن الأصلية بالأمن والاستقرار، واللواتي أنجب أغلبهن أبناء يتلقون تربية متشددة بين ظهراني “الجهاديين” المتفرقين في مخيمات نائية بالقفار السورية ولا يستفيدون من أية متابعة طبية أو تعليم نظامي.

ووفق تقرير حديث للمديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب “CTED”، التابعة للأمم المتحدة، فإن اﻟﺑﯾﺎﻧﺎت اﻟﻣﺗﺎﺣﺔ إلى حدود النصف الثاني من 2019 ترسم ﺻورة ﻣﻌﻘدة ﻋن اﻟﻧﺳﺎء اﻟﻼﺋﻲ ﺳﺎﻓرن إﻟﻰ ﻣﻧﺎطق اﻟﻧزاع ﻓﻲ اﻟﻌراق وسوريا، إذ ﯾﻘدر اﻟﺑﺎﺣﺛون أن 4 % ﻓﻘط ﻣن ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻌﺎﺋدﯾن ﻣن اﻟﻌراق وسوريا ھم ﻣن اﻟﻧﺳﺎء، وأن 5% منهن أجنبيات يتحدرن أساسا من الدول الأوربية، وبنسبة أقل من أمريكا الشمالية. وﺗﺷﯾر ھذه اﻷرﻗﺎموإﻟﻰ اﻟﺣﺎﺟﺔ اﻟﻣﻠﺣّﺔ إلى إجراء ﺗﺣﻠﯾل أوﺛق ﻷﺳﺑﺎب ﻋدم ﻋودة اﻟﻧﺳﺎء وطرق ﺗﺳﮭﯾل ﻋودﺗﮭن ﺑطرﯾﻘﺔ ﺗﺗواﻓق ﻣﻊ ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن وﻣﺻﯾر اﻟﻼﺋﻲ ﺳﺑق أن ﻋُدن.

هناك ﻣﻌﻠوﻣﺎت ﻣﺣدودة ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ﻋن اﻟﻧﺳﺎء الأجنبيات اللواتي ﺑﻘﯾن ﻓﻲ ﻣﻧﺎطق اﻟﻧزاع. وﺣذر اﻟﺑﺎﺣﺛون ﻣن أن ﻋددا ﻛﺑﯾرا ﻣنهن رﺑﻣﺎ يكون قد تُرك ﻓﻲ ظروف مزرية بمناطق اﻟﻧزاع، خاصة منذ فبراير الماضي إلى اليوم، وهي الفترة التي تلقى فيها تنظيم داعش أقسى الضربات منذ تأسيسه، لتنكمش المساحة التي يبسط فيها نفوذه بصورة ملحوظة. وحتى إن عدن إلى حياتهن الطبيعية بين أهاليهن، فإن التقرير يفيد بأنهن يحصلن ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ أﻛﺛر ﺗﺳﺎهلا ﻓﻲ اﻟﻧظﺎم اﻟﻌدﻟﻲ اﻟﺟﻧﺎﺋﻲ لبلدانهن في أوربا. وتظهر الخلاصة اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ اﻟﻣﮭﻣﺔ ﻟﮭذه اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ أن نساء داعش الأوربيات ﯾﺣﺻﻠن ﻋﻠﻰ دﻋم ﻣﺣدود ﻓ ﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺈﻋﺎدة اﻟﺗﺄهيل وإﻋﺎدة الإدﻣﺎج، لكونهن يعُدن إلى أوطان غير مسلمة أصلا، ﻣﺎ ﯾﻌرﺿﮭن لﻣﺧﺎطر أﻛﺑر ﻣن اﺣﺗﻣﺎل اﻧﺗﻛﺎﺳﺗﮭن وﻋودﺗﮭن إﻟﻰ اﻟﺗطرف وﺗﻘﻠﯾل ﻓرﺻﺔ ﻧﺟﺎح اﻧدﻣﺎﺟﮭن ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ.

 

إحصائيات مفزعة!

 

ﺑﺳﺑب ﻧﻘص اﻟﺑﯾﺎﻧﺎت اﻷوﻟﯾﺔ، يستطرد التقرير، ﻟم تتم تهيئة ﺗﻘﯾﯾم حقيقي لدور اﻟﻣرأة الأجنبية في داعش، وﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟذﻟك ﻓﺈنع ﻣن اﻟﺻﻌب اﻟﺗﺄﻛد ﻣن ﻋدد اﻟﻧﺳﺎء اﻟﻼﺋﻲ ﺳﺎﻓرن إﻟﻰ ﻣﻧﺎطق اﻟﻧزاع وﺑﻠداﻧﮭن اﻷﺻﻠﯾﺔ وﺑﯾﺎﻧﺎﺗﮭن اﻟدﯾﻣوﻏراﻓﯾﺔ اﻷﺧرى. إلا أن أفضل الأرقم المتحة تُشير إلى أن ما يراوح 4761 امرأة:أو 13% ﻣن اﻟذﯾن اﻧﺗﻘﻠوا إﻟﻰ اﻟﻌراق واﻟﺟﻣﮭورﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺳورﯾﺔ ﻛﺎﻧوا ﻣن اﻟﻧﺳﺎء. ورغم أن النساء الأوربيات يحظين باهتمام المنظمات الدولية والصحافة الأجنبية أكثر من غيرهن من باقي الجنسيات، فإنهن لا يتصدرن لائحة النساء الأجنبيات لدى داعش، فدول ﺷرق آﺳﯾﺎ تساهم ﺑﺄﻋﻠﻰ ﻧﺳﺑﺔ ﻣن اﻟﻧﺳﺎء، والتي تبلغ 31 % تليها دول أوروﺑﺎ اﻟﺷرﻗﯾﺔ بـ 23%، أوروﺑﺎ اﻟﻐرﺑﯾﺔ بـ 17%، ﺛم أمريكا الشمالية وأﺳﺗراﻟﯾﺎ وﻧﯾوزﯾﻠﻧدا بـ 17% كذلك، واﻟﺷرق اﻷوﺳط وﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ بـ 6%، وأﺧﯾًا ﺟﻧوب اﻟﺻﺣراء اﻟﻛﺑرى بأقل من 1%.

وﻗد ﯾﻛون ھذا اﻟﺗﺑﺎﯾن اﻹﻗﻠﯾﻣﻲ ﺟزﺋيا ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻋﺎﻣﻠﻲ “اﻟطرد واﻟﺟذب”، ﻟﻛﻧه ﯾدل، أيضا، ﻋﻠﻰ ﻋدم اﻛﺗﻣﺎل اﻟﺑﯾﺎﻧﺎت اﻟﻣﺟﻣﻌﺔ. وﻷن اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟدول ﻻ ﺗﺳﺟل ﻓﻲ ﺑﯾﺎﻧﺎﺗﮭﺎ ﺟﻧس اﻟﻣﻘﺎﺗﻠﯾن اﻹرھﺎﺑﯾﯾن اﻷﺟﺎﻧب، ﻓﺈنه ﻣن اﻟﺻﻌب اﻟﺣﺻول ﻋﻠﻰ اﻟﺻورة اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋن ﺣﺟم ھذه اﻟظﺎھرة. 

 

أدوار جديدة لنساء داعش  

 

يُفيد التقرير بأن النهاية الوشيكة لداعش واكبها بدء التنظيم في إعداد النساء الأجنبيات المُستقطَبات والنظر في كيفية الاستفادة منهن للقيام بهجمات في الغرب أو العمل على استقطاب المزيد من الأفراد إلى التنظيم.

وتتنوع التهديدات المستقبلية من النساء المقاتلات، إذ يمكن تزايد المشاركة النسائية في الأنشطة الجهادية.

وتم تسليط الضوء على التهديد النسائي الداعشي بثلاث طرق:

أولا: تنفيذ مخططات خارجية، إذ إنه لطالما استخدمت الجماعات الإرهابية النساء للقيام ببعض العمليات التي يصعب على الرجال اختراق أهدافها، وبعودة الأجنبيات المنضمّات إلى التنظيم إلى الغرب، يمكن لداعش أن يستغل الفكرة الشائعة عن أن النساء لا يمثلن خطرا كبيرا في ما يتعلق بالهجمات الإرهابية مثل الرجال.

ثانيا: يتمثل في استخدام التنظيم للغربيات العائدات في استقطاب الأفراد، وبالتالي يعملن كحلقة وصل بين المتطرفين الجدد والمقاتلين المتمرسين، وفي الوقت الذي أبدت فيه مقاتلات غربيات رغبتهن في العودة إلى ديارهن، فإنه يجب على الأجهزة الأمنية أخذ جميع الاحتياطات اللازمة لمنعهن من الإضرار بالمجتمع أيدولوجيًا أو ماديا.

ثالثا: يدور حول تخطيط النساء للعمليات الإرهابية واستخدامهن كمنسقات لها من خلال الإنترنت، إذ يؤدّين دور المنسق بين قيادة داعش والأفراد المقاتلين أو الخلايا الصغيرة القتالية. وتقوم هؤلاء المخططات بتنسيق التواصل في العالم الافتراضي بين القيادات التي توجه بأماكن شن الهجمات وكيفية القيام بها والأفراد الجُدد المنضمين إلى التنظيم.

 

الأوربيات.. دوافع التطرف

 

كشف التقرير أن اﻟدواﻓﻊ اﻟﺗﻲ ﺗؤدي إﻟﻰ ﺗطرف النساء الأوربيات ﺗﺧﺗﻠف ﻛﺛﯾرا ﻋن اﻟدواﻓﻊ ﻟدى اﻟرﺟﺎل. وﺗﺷﻣل هذه اﻟدواﻓﻊ اﻟﻌواﻣل اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ وﻛذﻟك اﻟﻌواﻣل اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ واﻟﻧﻔﺳﯾﺔ، ﻓﺎﻟﻧﺳﺎء اﻟﻼﺋﻲ ﯾﻧﺿﻣﻣن إﻟﻰ اﻟﺟﻣﺎﻋﺎت اﻹرھﺎﺑﯾﺔ ﯾﻌﺷن ﻓﻲ ﺳﯾﺎﻗﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﻟدﯾﮭن ﺧﺑرات واﺣﺗﯾﺎﺟﺎت ﺣﯾﺎﺗﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﻣﺳﺎرات ﻓردﯾﺔ متعددة.

ﯾﻣﻛن أن ﺗﺧﺗﻠف اﻟدواﻓﻊ ﻟدى نساء داعش المحليات ﻋن ﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﻟدى نظائرهن الأجنبيات. فاﻧﺗﮭﺎﻛﺎت ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺗﻲ ﺗقترفها الأجهزة الأمنية، ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﺗﻠك اﻟﻧﺎﺗﺟﺔ ﻋن اﻵﺛﺎر اﻟﻣﺗرﺗﺑﺔ ﻋن ﺗداﺑﯾر ﻣﻛﺎﻓﺣﺔ اﻹرھﺎب، وإﺳﺎءة اﺳﺗﺧدام اﻟدوﻟﺔ ﻟﻠﻘﺎﻧون أو ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن ﻋﺎﻣل ﻗوي ﯾدﻓﻊ النساء المحليات ﻧﺣو اﻟﺗطرف. أما الأجنبيات فدوافعهن مختلفة جذريا، إذ أن الحرية التي يتمتعن بها في بلدانهن غالبا ما تدفعهن إلى إيجاد منافذ تتمكّنّ من خلالها من التعبير عن شخصياتهن. وقد تكون هذه المنافذ وظائف مرموقة في المجتمع أو بدائل أخرى ذات صلة بالفن أو الثقافة أو العمل الجمعوي.. إلا أن المشاكل الاجتماعية، المرتبطة منها أساسا بالميز أو العنف الزوجي، فضلاً عن الفراغ الروحي الذي يدفع أفراد المجتمع إلى تبني قيم الاستهلاك المفرط والتعلق بالماديات:غالبا ما يكون دافعهن إلى البحث عن طرق أكثر تطرفاً للتعبير عن رأيهن في مواجهة مجتمعاتهن، إذ “يكون الدواعش الذين يستقطبوهن عبر الإنترنيت بمثابة منقذين لهن من الظلمة التي تستبد بأنفسهن، والتطرف في شموليته آلية دفاعية للانتقام من مجتمعهن الذي يستهلكهنّ دون أن يمنحهن القيمة التي يستحققن”، حسب ما صرّحت به بعض العائدات منهن إلى أجهزة الشرطة في بلدها.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *