إعداد: ع. المراكشي -وكالات

بإعلان الولايات المتحدة مقتل “أبو بكر البغدادي”، زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي، انتهت قصة إحدى أكثر الشخصيات المعاصرة الجديرة بالبحث والدراسة، على صعيد التحول النفسيّ المخيف وكيف يمكن أن يتحول شخص وديع وطبيعيّ إلى زعيم أحد أشرس التنظيمات الإرهابية وأكثرها دموية في التاريخ.

صحيفة “تليغراف” البريطانية رصدت في تقرير، تجربة الخوض في مرحلة الشباب المبكر في حياة “أبو بكر البغدادي”، قبل أن يصير الإرهابيَ الذي عرفنا.

ولأجل ذلك، تواصلت الصحيفة مع عدد من رفقائه الذين عرفوه خلال تلك المرحلة، والذين سردوا لها تفاصيل تبدو صادمة، لكنها تتشابه مع معظم قصص الإرهابيين: بداية طبيعية وتحول تدريجي ثم نهاية تراجيدية.

وُلد إبراهيم عواد إبراهيم البدري (أبو بكر البغدادي) في 1971 لأسرة من الدعاة في مدينة سامراء، ذات الأغلبية السنية شمال العاصمة بغداد، قبل أن ينتقل إلى العاصمة لاستكمال دراسته في “الجامعة الإسلامية”، حيث حصل على دكتوراه في الشريعة الإسلامية.

في بغداد كان “البغدادي” يقيم حتى 2004 في غرفة بالقرب من مسجد في “حي طوبشي”، وهو أحد الأحياء الفقيرة في أطراف بغداد ويتشكل سكانه من خليط من السنّة والشيعة.

قال أحد أصدقائه للصحيفة، ويدعى “أبو علي عن البغدادي”، إن البغدادي “منذ قدومه إلى الحي وسكنه بجوار المسجد تميز بالهدوء والطيبة والبعد عن العنف، كما أثبت موهبة كبيرة كمهاجم في كرة القدم في المباريات التي ينظمها المسجد كنشاط رياضي لشباب الحي، كان يعدّ مثل ميسي بين لاعبي الفرق”.

وقال صديق آخر يدعى أحمد الدبيش، كان زميل دراسة للبغدادي، إنه كان يتميز بالأدب والهدوء وعدم الاختلاط مع الآخرين، كما كان يرتدي نظارات بسبب ضعف بصره.

وتابعت الصحيفة أن البغدادي عرف بالتدين الشديد، الذي كان ربما بداية طريق التطرف، إذ يحكى أنه اعترض، ذات يوم، على إقامة حفل زفاف في الحي بسبب اختلاط الرجال بالنساء، لكنْ رغم ذلك، لم تكن له أي ميول سياسية.

وقال الدبيش إن البغدادي لم يلتحق بالحزب الإسلامي، ما جعله يدخل في شجار مع شيخ الجامع، الذى يسكن بجواره، بعد أن عرض عليه الأخير الانضمام إلى الحزب، لينتهي الأمر بـ”طرد” البغدادي من منزله الذي كان يستأجر من شيخ الجامع..

وتابع المتحدث ذاته “مع قدوم الغزو الأمريكي -البريطاني، قرر البغدادي أن ينضمّ إلى المليشيات الإسلامية، التي نفّذت عمليات ضد الجنود الغزاة وكانت نواة لتأسيس فرع لتنظيم “القاعدة” في العراق تحت قيادة “أبو مصعب الزرقاوي”.. لكن الدبيش نفى انضمام البغدادي إلى المليشيات التي تقاتل ضد القوات الأمريكية وتنفذ العمليات الانتحارية ذات الصبغة الطائفية ضد شيعة العراق.

من ذلك استنتج كاتب التقرير أنه يمكننا القول إن أمريكا وبريطانيا كانتا قد زرعتا بذرة الإرهاب في شخص مثل البغدادي، لكن الولايات المتحدة عملت على ريّ تلك البذرة حتى اكتمل نموها.

ومن جانبه، قال هاشم الهاشي، الخبير الأمني العراقي، إنه التقى البغدادي من قبل وأكد أن فترة حبسه في سجن “بوكا” الأمريكي منذ 2005 حتى 2009، كانت الفارقةَ في عملية تحول البغدادي من الشاب الوديع شديد التدين إلى هذا الشاب العنيف، الذي ارتمى في أحضان التنظيمات المتطرفة. وتعرّض البغدادي، في فترة السجن، لموجات من التأصل والأفكار، كما صادق العديد من أعضاء تنظيم “القاعدة”.

وقال الجنرال الأمريكي كينيت كينغ إن إطلاق سراح البغدادي جاء بعد التأكد من عدم تورّطه في الأنشطة العنيفة، لكنه تنبّه إلى أن البغدادي حيّى الجنود الأمريكيين قائلا لهم “أراكم في نيويورك!”.. دون توضيح ما كان يقصد بتلك العبارة.

بعد مغادرته السجن، انضمّ البغدادي إلى تنظيم “القاعدة” في العراق وحظى بثقة أعضائه في وقت قياسي، حتى قفز إلى زعامة التنظيم، بعد مقتل “أبو عمر البغدادي”، الذى خلف “أبو مصعب الزرقاوي” في قيادة تنظيم “القاعدة”.

وأبرزت الصحيفة أن وصول البغدادي إلى زعامة التنظيم لا يزال لغزا محيّرا، خاصة بسبب وجود من هم أقدم منه وأكثر خبرة بين صفوفه، لكنه حصل على 9 أصوات من أصل 11 في مجلس “شورى التنظيم”، ليتحول على يديه إلى التنظيم الإرهابي الأغنى والأخطر في العالم أجمع، قبل أن “ينسف” نفسه، وفق الرواية الأمريكية حين داهمته قوة خاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *