مصطفى العراقي*

خلال الستة عشرة سنة الماضية، تمت الإطاحة بكاتبين أولين للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هما الأستاذان عبد الرحمان اليوسفي في 2003 ومحمد اليازغي في  2007.

استقالة الاثنين أو إقالتهما جرت وراء أبوابا مغلقة للمكتب السياسي للحزب دون إشراك برلمانه، أي المجلس الوطني المنتخب من قبَل المؤتمر.

قد تكون تفاصيل وقائع 2003 غير معروفة بشكل كامل للعموم. لكن كانت هناك معطيات “مسربة” بشكل واسع بالنسبة للاجتماعات الماراطونية التي شهدها الجهاز التنفيذي للاتحاد. وأذكر هنا وللتاريخ أن الأستاذ اليوسفي قدم استقالته بعد استشارة أقرب المقربين إليه، عن طريق الصحيفة.

فعشية ذلك اليوم بعث وهو مدير لـ”الاتحاد الاشتراكي” بـ”فاكس” تصدر الصفحة الأولى بعد أعلن من خلاله استقالته واعتزاله العمل السياسي. أما استقالة اليازغي فمرت من قناة عدد من أعضاء المكتب السياسي لتستقر على صيغة متوافق بشأنها.

ودون شك، وبالإضافة إلى حسابات أخرى، هناك أثر للانتخابات الجماعية (شتنبر 2003) خاصة في ما يتعلق بمجالس المدن والدار البيضاء أساسا بالرغم من أن الاتحاد جاء في الرتبة الثانية من حيث عدد الأصوات والمنتخبين، والتشريعية لشتنبر 2007 وحصيلتها التي تراجع فيها الاتحاد إلى الرتبة الخامسة في المشهد السياسي. إذن نتائج الانتخابات كانت محرك أعضاء المكتب السياسي كي يشترطوا نزول كل من اليوسفي واليازغي من الكتابة الأولى للحزب.. وهما معا قاما بتدبير استحقاقات 1997 التي أدت إلى حكومة ما يسمى “الانتقال الديمقراطي” وكانت النتيجة 57 مقعدا بمجلس النواب والوزارة الأولى وأكبر حصة من الحقائب الوزارية. أما في 2003 فقد حصل الاتحاد على 50 مقعدا وفي 2007 تراجع هذا العدد إلى 38. وأسندت إليه ثماني حقائب في حكومة إدريس جطو وخمسة في حكومة عباس الفاسي..

اليوم، نسجل أن انتخابات أكتوبر 2016 التي اندحر فيها الحزب أصواتا ومقاعد (لم يحصل في الدوائر الانتخابية سوى على 14 مقعدا) لم تضع الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي موضع المساءلة ولم يطالب المكتب السياسي ولا المجلس الوطني برأسه. ربما لطبيعة تشكيلة الجهازين ولاتساع مساحة الولاء…

وها نحن اليوم، وبعد مفاوضات “حكومة الكفاءات”، يهتز المكتب السياسي لأن “الحصاد” كان هزيلا ممزوجا بأنانية مفرطة قلصت الحقائب الثلاث التي أعقبت اقتراع 2016 إلى وزارة وحيدة.. وها هو رأس الكاتب الأول مطلوب الآن بسبب تدبير المفاوضات..

لم يكن وضع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لدى الهيئة الناخبة وما أحرز من نتائج في استحقاق 2016 هي محطة ربط “المسؤولية بالمحاسبة”..

لم يكن السؤال الرئيسي والمستعجل يتعلق بمكانة حزب ارتبط نضاله بقضايا الجماهير، حزب فقد ذاك الوهج الذي رافقه قبل الدخول إلى الحكومة! لم يكن على رأس جدول الأعمال: أي وهن وأمراض ضربت مفاصل الاتحاد حتى أصابه ما يشبه العقم الفكري وانتشرت الضحالة السياسية وحتى الأخلاقية في عدد من مواقعه! لماذا أصبح رقما ضعيفا في المعادلة السياسية؟ هل من جدوى المشاركة في حكومة لا تنسجم مع خيارات الاتحاد وتصوراته للبناء المجتمعي الذي يشكل صلب الفكرة الاتحادية؟ ولماذا أصبحت مقولة “الخروج من الحكومة” ستنهي وجود الحزب؟ من رسخ هذه الفكرة المحملة بانتهازية البحث عن المواقع بأي نتائج وتحالفات وحقائب؟!..

هي أسئلة وغيرها والاتحاد يكمل عقده السادس منهكا، متراجعا، رقما ثانويا جدا في المعادلة السياسية… فهل من سبيل حقيقي لاستعادة مكانته تنظيميا وسياسيا وفكريا ومصداقية؟!

***

 *صحفي سابق بيومية الاتحاد الاشتراكي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *