أجرت الحوار: حسنى أفاينو -الرباط

قال البروفيسور مصطفى العلوي فارس، الأخصائي في أمراض الأعصاب ومدير مركز الاستقبال النهاري لمرضى الزهايمر في الرباط، إنه آن الأوان لجعل مرض الزهايمر ضمن أولويات السياسة الصحية في المغرب.

وأكد العلوي فارس، بمناسبة اليوم العالمي للزهايمر، الذي يوافق 21 من شتنبر، أن المغرب يسجل اليوم تصاعدا في أمراض الشيخوخة عموما ومرض الزهايمر على الخصوص، موضحا أن إحصائيات لجنة خاصة باضطرابات الذاكرة وأمراض الخرف في مستشفى الاختصاصات بالرباط تشتغل، منذ عشرين سنة، على تتبع المصابين بهذه الأمراض (والزهايمر واحد منها) من الوافدين على المستشفى، تشير إلى أن عددهم بلغ ما يناهز 1000 مريض %60 منهم مصابون بالزهايمر وما بين 20 و%25 منهم يعانون من مشاكل في الدورة الدموية.

وأضاف رئيس جمعية “مغرب الزهايمر”، التي تشتغل في مستشفى الاختصاصات في الرباط، إن المستشفى كان يستقبل، خلال العشر سنوات الماضية، مريضا واحدا بالزهايمر في كل ثلاثة شهور، واليوم ترد على المستشفى حالة أو حالتان كل أسبوع، أي ما بين 80 و100 حالة في السنة، ما يعني أن عدد حالات الإصابة تضاعف عشر مرات. وأبرز المتحدث ذاته أن هذا يؤشر على زيادة وتيرة زحف المرض في المجتمع بسبب عامل السن، إذ انتقل معدل أمد الحياة من 40 سنة في الخمسينات إلى 72 سنة اليوم ( 74 سنة عند النساء و71 سنة عند الرجال). وتشكل النساء ثلثي المصابين، لعوامل إضافية مرتبطة بالهرمونات.

كما تؤشر زيادة إقبال المرضى على التشخيص الطبي، حسب البروفيسور، إلى ارتفاع منسوب الوعي لدى الفئات المتعلمة. أما الفئات المعوزة ذات المستوى التعليمي المحدود أو المنعدم فلا تلجأ إلى الطبيب إلا في مراحل متقدمة من المرض.

ويعرّف الأخصائيون مرض الزهايمر بكونه نوعا من أنواع الخرَف، وهي أمراض عضوية تصيب الدماغ، إذ يحدث تقلص تدريجي لخلايا الدماغ، لأسباب بيولوجية أو كيماوية أو بسبب نقص في الدورة الدموية للدماغ. كما أن له علاقة بالتكوينات الجينية لدى الشخص، تجعل بعض المواد غير الطبيعية تتكاثر في مركز الدماغ المسؤول عن الذاكرة.

ويمثل مرض الزهايمر ما بين 60 و%70 من مجموع أمراض الخرَف، أي حوالي الثلثين، في جميع دول العالم سواء الصناعية أو النامية.

وفي الغالب، يصيب هذا المرض، حسب الأخصائي العلوي فارس، الأشخاص الذين تفوق أعمارهم 75 سنة، دون أن يمنع ذلك من وجود نسبة تصاب به قبل 65 سنة، خصوصا في الدول النامية، حيث تساهم عوامل الفقر وسوء التغذية والأمية في زيادة احتمالات الإصابة به، موضّحا أن المرض يمر بمراحل تبدأ باضطرابات في الذاكرة، لتنتقل إلى مرحلة فقدان القدرة على الإدراك والتنسيق والتحليل واتخاذ القرار، ثم تتطور إلى اضطرابات سلوكية ونفسية تتسم، على الخصوص، بالعنف والاكتئاب والهوس وانعدام النوم لتنتهي بالعجز التام.

غياب علاج

في ظل غياب علاج يقضي على مرض الزهايمر، شدّد البروفيسور مصطفى العلوي فارس على أهمية الاشتغال على التدابير الوقائية، وعلى رأسها اعتماد نظام غذائي متوازن يقوم على تناول الخضر والفواكه والسمك وزيت الزيتون والفواكه الجافة، كالجوز، لدورها الفعال في إكساب الدماغ مناعة ضد المرض وتأخير الإصابة به، مشددا على أهمية إدماج التربية على التغذية الطبيعية والمتوازنة في المؤسسات التعليمية والتحسيس بمخاطر المواد الغذائية الصناعية. كما أن السمنة تشكل عاملا مساعدا على الإصابة بالمرض، إلى جانب ارتفاع الضغط والسكري والكولسترول والتدخين والكحول؛ لعلاقتها بأمراض الدورة الدموية بصفة عامة، لا سيما الدورة الدموية للدماغ.

تكلفة المرض

بخصوص تكلفة العلاج في المغرب، سجل سعر دواء الزهايمر انخفاضا من 1000 و1200 درهم إلى 350 درهما، بفضل الأدوية الجنيسة التي تتمتع، حسب محاوَرنا، بالفعالية ذاتها في حد تطور المرض وتأخير تدهور حالة المريض. لكن كلفة العلاج العامة تبقى، في رأيه، مرتفعة لأن العلاج لا يقتصر على الدواء الكيماوي فقط، بل يعتمد أيضا على العلاجات غير الكيماوية عبر أنواع الترويض المختلفة والمستمرة المرتبطة بالذاكرة والنطق والتحليل والحركة وغيرها.

وبالنظر إلى خطورة هذا المرض وتداعياته ووتيرة تطوره المتزايدة في العالم، ناهيك عن ارتفاع كلفته الاقتصادية (800 مليار دولار، وفق إحصائيات منظمة الصحة العالمية، ما يعادل ميزانية بعض الدول) عقدت الأمم المتحدة جلسة خاصة في نونبر 2017 حثت فيها جميع دول العالم على إرساء نظام متكامل لهذا المرض، يستحضر البعد الحقوقي والاجتماعي والإنساني، بينما سجل في أغلب الدول النامية تخلٍّ كامل عن هؤلاء المرضى، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، التي أعدت في 2018 تقريرا خاصا بمسؤوليات الدول عن مرضى الزهايمر.

مسؤولية الدولة

يرى رئيس جمعية “مغرب الزهايمر”، في هذا السياق، أن الجمعيات تضطلع بدور مساعد في مواجهة مرض الزهايمر ودعم المرضى وعائلاتهم؛ لكن المسؤولية الأولى والكبرى تظل على عاتق الدولة ووزارة الصحة في الاهتمام بهذه الشريحة، التي تعرف تزايدا مطردا وتعزيز التدابير التحسيسية والوقائية بكافة الوسائل المتاحة وإدراج مرض الزهايمر ضمن الأمراض ذات الأولوية في السياسة الصحية الوطنية عبر اتخاذ التدابير القانونية والإجرائية القمينة بتخفيف أعباء هذا المرض، الذي ينوء بحمله المريض وذووه فقط.

وحول تطلعاته الوطنية للنهوض بهذا المجال، يرجو فارس إحداث مراكز للقرب على الصعيد الوطني تعنى بمرضى الزهايمر وعائلاتهم وأن تعمل وزارة الصحة على تقريب خدمات الأخصائيين للساكنة في المراكز الصحية المنتشرة في الأحياء، ما سيساعد في تحسين حالات المرضى وتخفيف معاناة عائلاتهم التي أثبتت التجربة أنهم يصابون هم أيضا بحالات الاكتئاب وأمراض نفسية أخرى جراء تحمّلهم لأعباء العناية المتواصلة بالمريض في أفق أن تندرج تكاليف هذا المرض ضمن تحملات الضمان الاجتماعي في المغرب، على غرار المعمول به في الدول المتقدمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليقات