اكادير : ربورتاج حسن هرماس

عاد الفنان الفوتوغرافي المغربي ، سعيد أوبرايم، من جديد ليفتح بصر عينيه الثاقبتين على موضوع مغاير لما سبق أن نقل أسراره وتفاصيله بواسطة عدسة آلات التصوير ، التي لا تفارقه أينما حل وارتحل على امتداد عقود متتالية.

اعتاد هذا الفنان الفوتوغرافي المتميز أن يختار من حين لآخر مواضيع محددة ليشتغل عليها ، ويقرب حيثياتها العامة والدقيقة للمشاهد مستعملا في ذلك حنكته المتناهية في تطويع آلات التصوير الفوتوغرافي ، حيث سبق له في هذا السياق أن خاض غمار تجربته فنية موضوعاتية خصصها للتعريف بنبتة “أجكال” الجبلية ، والتي تبنتها المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر ، التي اصدرتها في كتيب ذي طبعة أنيقة.

#ايكودار

اختار هذا الفنان العصامي هذه المرة المخازن الجماعية “إيكودار” ( مفردها أكادير) المنتشرة في منطقة سوس ماسة لتكون موضوعا لمعرضه المنظم إلى غاية الثلاثين من شهر شتنبر الجاري ، في قاعة العروض التابعة لمتحف التراث الامازيغي ، المتواجد في ممر الراجلين “أيت سوس” بمدينة أكادير ، والذي يعرف إقبالا جماهيريا متواصلا ، سواء من طرف ساكنة مدينة الانبعاث ، أو زوارها خاصة منهم السياح الأجانب.

على نهج المصورين الكبار من ذوي الباع الطويل والحنكة المهنية التي لا غبار عليها ، ينقل سعيد أوبرايم الزائر لمعرضه في رحلة “شبه واقعية ” عبر جبال الأطلس الصغير وغيرها من المناطق الجبلية في منطقة سوس ماسة ، ليطلعه على جانب مهم من التراث المعماري المغربي الأمازيغي المتمثل في مباني “إيكودار” التي قاومت قساوة الطبيعة على مر قرون متتالية ، لتظل بذلك شاهدة بذلك على شموخ الإنسان المغربي في فن العمارة التقليدية.

#جمالية

تنقل الصور الفوتوغرافية لهذا الفنان تفاصيل دقيقة لما يميز “إيكودار” عن غيرها من البنايات والصروح المعمارية المتنوعة التي تشكل فسيفساء العمارة المغربية في شتى تلاوينها الأمازيغية والعربية والأندلسية ، وكذا العمارة الحديثة التي تستلهم مكوناتها من هذا الخليط المتناغم الذي يشكل جزءا من المجلد الضخم لما يعرف بالحضارة المغربية المتأصلة والضاربة بجذورها في عمق التاريخ.

تقربك الصور الفوتوغرافية لمعرض سعيد اوبرايم من الأبواب المصنوعة من الألواح الخشبية التي لم تنل من مناعتها العواصف ولا الأمطار ولا أشعة الشمس . يختار الزوايا المناسبة لالتقاط الصور بعناية فائقة حتى يتمكن بذلك من أن يستنهض لدى المشاهد الرغبة في الاستفسار ، واستعمال التفكير للولوج إلى كنه اللقطة.

النقوش الخشبية على الابواب من ضمن التفاصيل التي حظيت بعناية عدسة الفنان سعيد اوبرايم في هذا المعرض . لعله بذلك يريد أن يبلغ المشاهد بأن الصناع التقليديين المغاربة القدامى الذين اشتغلوا على المادة الخشبية لم يكن يقتصر عملهم على الجانب الوظيفي البراغماتي المحض للأبواب الخشبية ، ولكنهم ايضا كانوا يملكون حسا فنيا نابعا من القيم الجمالية المتأصلة في شخصية الحرفي المغربي منذ مئات السنين.

الصور الفوتوغرافية للمعرض جاءت بالألوان ، وليس بالأسود والأبيض ، ولربما أن القصد من وراء ذلك  هو جعل الزائر ، الذي ليست لديه فكرة حول “إيكودار ” ، يدرك أن المادة الأولية لتشييد هذه الصروح المعمارية الضاربة في القدم ، ليست هي الإسمنت المسلح  و لا الحديد والفولاذ ، وإنما الطين الأحمر ، والتبن ، والصخور والحجارة الملتقطة من المحيط المجالي الذي شيد فيه المخزن الجماعي ، لتضاف إلى هذه المواد الأولية الصديقة للبيئة الخبرة والمهارة الحرفية المكتسبة.

#تثمين

يأتي تنظيم معرض الصور الفوتوغرافية لسعيد أوبرايم حول المخازن الجماعية في وقت بدأ فيه الوعي يتنامى أكثر فأكثر حول القيمة التاريخية  والثقافية ل”إيكودار” بوصفها موروثا حضاريا ماديا يستوجب استنهاض الهمم من أجل صيانته وتأهيله حتى يضطلع بدوره في التنمية المستدامة ، لاسيما وأن هناك إدراك حقيقي لما لهذا الموروث من دور في تعزيز قوة الجذب السياحي لأكادير باعتبارها الوجهة السياحية الشاطئية الأولى على الصعيد الوطني ، والتمكن بالتالي من تسويق المؤهلات السياحية الأخرى التي يزخر بها العمق الترابي لهذه الوجهة ، والموزعة على اقاليم تارودانت وتيزنيت، واشتوكة ايت باها، وطاطا.

وقد سار مجلس جهة سوس ماسة في هذا الاتجاه حيث رصد غلافا ماليا مهما في إطار الميزانية المخصصة للتنمية الثقافية على صعيد الجهة ، حيث أعطت هذه المبادرة أولى ثمارها والمتمثلة في تأهيل وترميم واحد من أكبر المخازن الجماعية في المنطقة ، وهو مخزن “إمشكيكلن” الوقع في المجال الترابي لإقليم اشتوكة ايت باها.

كلمات مفتاحية

#سوس #سعيد #صور #ايكودار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *