الرباط -عبد اللطيف أبي القاسم

 

يشكل الدخول المدرسي محطة سنوية استثنائية في حياة التلميذ باعتبارها بداية جولة جديدة في معركة ربح رهانات التحصيل العلمي وبناء الشخصية وتحقيق الذات في “بيته الثاني”. وحين يتعلق الأمر بالتلاميذ “المختلفين” بسبب إصابتهم بتشوهات خلقية أو كونهم ذوي احتياجات خاصة، فإن بداية عام دراسي جديد تطرح رهانا آخر قويا عليهم وعلى أسرهم هو رهان تجنب سخرية ومضايقات الأقران وتقبلهم لهذا الاختلاف.

وأمام المشاكل الجمة التي يتسبب فيها هذا النوع من السخرية والنبذ لهذه الفئة من التلاميذ، إن على المستوى النفسي أو على مستوى التحصيل الدراسي والاندماج في المجتمع، تتجدد الدعوات خلال الأيام القليلة التي تسبق الدخول المدرسي إلى تحسيس المتمدرسين بأهمية تقبل أقرانهم “المختلفين”، وتجنب السلوكات التي من شأنها إيذاؤهم.

رسالة فاطمة

واحدة من هذه الدعوات كانت عبارة عن رسالة نشرتها فاطمة، وهي أم لطفل مصاب بطيف التوحد، على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، تعكس، من بين أمور أخرى، حرص أسر الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة أو التشوهات الخلقية على توفير مناخ تعليمي سليم يمكنهم من صقل شخصياتهم وتجنب تأثير ما يسمى بالتنمر من طرف زملائهم على نفسياتهم.

تقول الرسالة التي يبدو أنها تجوب موقع فيسبوك على نطاق الواسع هذه الأيام، إنه “مع العودة إلى المدرسة، سيكون من المفيد التذكير بأنه من الواجب علينا، قطعا، أن نعلم أبناءنا كيف يكونون لطفاء مع جميع زملائهم في الفصل عبر تقبلهم كما هم. فالأطفال الذين (لا يشبهوننا) بسبب تشوه خلقي أو احتياجات خاصة ليسوا عجيبين أو غرباء. إنهم لا يريدون إلا ما يريده الجميع.. أن يتم تقبلهم”.

هذه الرسالة القصيرة في مبناها والبليغة في معناها، جاءت مدبجة بطلب لمن يقرؤها مفاده “هل أنت مستعد لنسخ ولصق هذه الرسالة على صفحتك لمساندة أطفال متفردين لكنهم ليسوا مختلفين؟”، في دعوة مباشرة لإشاعتها وتحفيز الناس على تطبيق محتواها، ولاسيما في صفوف آباء وأولياء التلاميذ، وذلك من أجل تجنب المضايقات التي يتعرض لها الأطفال ذوو الإعاقات في الوسط المدرسي.

مضايقات متنوعة 

وحسب رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد، سمية العمراني، فإن هذه المضايقات تتخذ أشكالا متنوعة، حيث تشمل السب، والاستهزاء، وتلفيق التهم، والضرب، وهي مضايقات “لها نفس الأثر السيء على جميع الأطفال بغض النظر عن أوضاعهم وإعاقاتهم، لكن وقعها يكون مضاعفا على أبنائنا من ذوي الإعاقات نظرا للحمولة الإضافية التي تكون لديها وهي حمولة التمييز على أساس الإعاقة”.

تستعرض العمراني، في تصريح لوكالة “لاماب”، نماذج من المعاناة الناتجة عن هذا النوع من المضايقات، مشيرة، في هذا الصدد، إلى أن “الكثير من أطفال التوحد مثلا يفتقدون لمهارة التبليغ عن الأذى بفعل طبيعة إعاقتهم، وتعرضهم المستمر للأذى يؤدي بهم في بعض الأحيان إلى ردود فعل عنيفة لا يفهم أصلها الكبار فيتم اتهامهم بالعدوانية وتعريضهم للمساءلة الزجرية وربما الطرد من المؤسسات التعليمية بدعوى عدم قابليتهم للدمج التعليمي”.

تجل آخر للمعاناة التي يواجهها التلاميذ ذوو الإعاقة في الوسط المدرسي يتمثل في رفض العديد من اليافعين ذوي التوحد في المستوى الثانوي الإعدادي، الاستمرار في ارتياد المؤسسات التعليمية “حيث يتكشف مع البحث والتدقيق، أنهم لا يتعرضون للمضايقات من طرف التلاميذ فقط بل حتى من بعض أعضاء الأطقم التعليمية”.

وتعزو السيدة العمراني المسؤولية عن هذا الأمر إلى كون “التلاميذ من غير ذوي الإعاقات تتأثر سلوكياتهم ومواقفهم بما يرونه ويعايشونه داخل بيئاتهم التعليمية والأسرية والمجتمعية”، ولذلك “فالتربية على احترام الاختلاف وعلى تقبل أن يكون الآخر متميزا، وأن هذا التنوع لا يمنع من والتعاون التضامن والعيش المشترك، هي الوقاية الأساسية والأولوية التي تمنع من بروز هذه المضايقات”.

 مطلب حقوقي

وفي واقع الأمر، فإن الدعوات إلى تحسيس التلاميذ باحترام وتقبل ذوي الاحتياجات الخاصة، أو التشوهات الخلقية، أو ما تطلق عليه العمراني “الإعاقة الجمالية”، تجد مسوغها وطابعها الملح من كونها تمس بحقوق أصيلة من حقوق الإنسان.

فحسب العمراني، فإن “أبناءنا من ذوي الإعاقات، سواء كانت ظاهرة من قبيل التثلث الصبغي والشلل الدماغي، والإعاقة الجمالية، أو خفية مثل التوحد وصعوبات التعلم والإعاقة النفسية-الاجتماعية، لديهم نفس الحقوق في التربية والتعليم والرياضة والثقافة والترفيه والمشاركة المجتمعية الكاملة”.

وتضيف بنبرة قوية “إن حقوق الأطفال ذوي الإعاقات تتأسس على كونهم بشرا مشمولين بما اتفقت عليه الإنسانية من حقوق كونية، وتتأسس أيضا على مواطنتهم وعلى شمولية قيم ومبادئ ومضامين الوثيقة الدستورية لكافة المواطنين بغض النظر عن عنصر اللون أو الجنس أو الإعاقة أو أي وضع كان”.

ما تعتبره العمراني مساسا بحقوق الأطفال في وضعية إعاقة لا يقتصر على مضايقات الأقران فقط، بل يتعداه إلى وجود “حالات تمييز” يمارسها بعض المسؤولين التربويين. تقول السيدة العمراني “نتلقى في التحالف العديد من الشكايات مع بداية الموسم الدراسي الحالي، وهي شكايات تحكي عن حالات تمييز حقيقية، منها حالة يافع يدرس بالمستوى الإعدادي انتقل إلى المستوى الأعلى لكن مزاجية السيد المدير أسفرت عن طرده من المؤسسة التعليمية وهو الآن في انتظار إنصافه”.

وتشير إلى حالة تلميذة أخرى بنواحي الدار البيضاء “رفضت المؤسسة التعليمية تمكينها من رخصة مرافقة الحياة المدرسية”، ولهذا ف”فنحن نطالب بالمزيد من اليقظة والحذر اتجاه كل حالات التمييز والوصم والتجند من أجل ضمان حماية حقوق الأطفال ذوي الإعاقة”.

 حلول على الطاولة

لا يعدم تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد الحلول والمقترحات من أجل تكريس حق الأطفال ذوي الإعاقة من وسط دراسي سليم يحترم حقوقهم. أول هذه المقترحات يتمثل في دعوة الوزارة الوصية على “إعداد برامج ومواد إعلامية مع كل دخول مدرسي لنشر قيم احترام الاختلاف والتعريف بالإعاقة كجزء من التنوع البشري”، وهي برامج “ينبغي الحرص على ألا تشوبها أية مصطلحات أو مفاهيم أو رؤى نمطية حول الإعاقة”.

وأكدت العمراني ضرورة “القيام بحملات إذكاء الوعي داخل المؤسسات التعليمية في بداية السنة الدراسية وقبل نهايتها”، وذلك من أجل إذكاء الوعي التعريف بالمقتضيات الدستورية، وبالتزامات المغرب وطنيا ودوليا في هذا المجال، وبالبرنامج الوطني للتربية الدامجة، وبالمذكرات والدوريات التي تنص على الحق في التمدرس وتكييف البرامج والامتحانات”، ذلك أنه “رغم الجهود الجبارة التي قدمتها وزارة التربية الوطنية في هذا المجال، ورغم تفاعلها الإيجابي مع مطالب المجتمع المدني ما تزال هناك العديد من جيوب المقاومة ضد تنزيل وتفعيل الحق في التربية والتعليم”.

ثالث مقترحات تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد يتمثل في “تفعيل آلية الشكايات وإعطائها القوة القانونية الضرورية لحماية الحق”. والمطلوب حسب السيدة العمراني هو تمكين أسر الأشخاص ذوي الإعاقة الذين تعرضوا للوصم أو التمييز أو الإقصاء أو الحد من حقوقهم، من تقديم شكاياتهم، وأن تكون هناك آلية لتتبع هذه الشكايات ودراستها وإصدار قرارات في حق منتهكي الحق في التعليم”. وترى السيدة العمراني أنه “لحد الآن يتم التعاطي بالطرق الحبية لحل الإشكالات، لكن في اعتقادنا ينبغي أيضا أن يتم فرض احترام القانون ومعاقبة ممارسي التمييز”.

كما تدعو العمراني إلى تفعيل اتفاقيات الشراكة مع المجتمع المدني الموقعة مؤخرا بما يضمن إعمال المقاربة التشاركية والتعاون بين الجمعيات والمؤسسات بما فيه ضمان الحق في التربية والتعليم للجميع.

وخلصت رئيسة التحالف إلى القول إنه من الواجب إدراج بعد الإعاقة بصفتها جزءا من التنوع البشري في كافة المناهج التعليمية والتربوية الموجهة للناشئة وكافة البرامج الثقافية التي توجه للجمهور، مؤكدة أنه “نحن بحاجة إلى بناء ثقافة جديدة تتأسس على احترام الآخر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *