يرى محمد أنور الهزيتي، الباحث المتخصص في الشؤون السياسية، أن استبعاد المشبوهين وأصحاب السوابق من الترشح للانتخابات في المغرب هو طرح يحمل مشروعية أخلاقية وسياسية.

كما يرى ، أن ظاهرة متابعة عدد كبير من البرلمانيين في المغرب على خلفية ملفات فساد مالي أو جرائم أخرى تطرح إشكالاً خطيراً يمس جوهر الممارسة الديمقراطية ويُضعف ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة.

تفاصيل أوفى في الحوار التالي:

 حوار- م.س

هل تتفقون مع من يطالب باستبعاد “المشبوهين” من الترشح للانتخابات؟

الطرح الذي يطالب باستبعاد المشبوهين وأصحاب السوابق من الترشح للانتخابات في المغرب هو طرح يحمل مشروعية أخلاقية وسياسية قوية لأن من يتولى مسؤولية تمثيل المواطنين وتدبير شؤونهم يجب أن يكون محل ثقة ويتوفر على حد أدنى من النزاهة والمصداقية فلا يعقل أن يُمنح شخص مدان في قضايا فساد أو خيانة للأمانة فرصة الولوج إلى مؤسسات الدولة عبر صناديق الاقتراع.

مع ذلك فإن هذا الطرح يحتاج إلى ضوابط قانونية واضحة حتى لا يتحول إلى وسيلة للإقصاء السياسي أو إلى أداة لتصفية الحسابات بين الخصوم فهناك فرق كبير بين من صدر في حقه حكم قضائي نهائي في قضية تمس الشرف أو المال العام وبين من هو فقط موضوع شبهات لم تثبتها العدالة أو من ارتكب أخطاء في الماضي لا علاقة لها بالمجال العام أو السياسي.

الحل الأمثل يكمن في الربط بين حق الترشح وبين نظافة السجل العدلي خاصة فيما يتعلق بالجرائم المالية والأخلاقية مع ضرورة إلزام الأحزاب السياسية باختيار مرشحين يتحلون بالنزاهة والكفاءة وتشجيع دور الإعلام والمجتم ع المدني في فضح الفساد وتنوير الرأي العام دون اللجوء إلى التشهير أو الاتهامات غير المثبتة لضمان توازن حقيقي بين حماية المؤسسات وتعزيز الثقة في العملية الانتخابية.

 

يلاحظ أن عددا كبيرا من البرلمانيين يتابعون قضائيا على خلفية ملفات فساد مالي أو جرائم مالية، أو أخرى…ما هو تقييمكم لهذه الظاهرة؟

ظاهرة متابعة عدد كبير من البرلمانيين في المغرب على خلفية ملفات فساد مالي أو جرائم أخرى تطرح إشكالاً خطيراً يمس جوهر الممارسة الديمقراطية ويُضعف ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة لأنها تعكس خللاً بنيوياً في آليات انتقاء المرشحين وتحمل المسؤولية السياسية وتفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول مصداقية الأحزاب ودورها في ترشيح أشخاص تحوم حولهم شبهات أو سوابق لا تتماشى مع متطلبات الشفافية والنزاهة.

هذه الظاهرة لا تسيء فقط إلى صورة البرلمان كمؤسسة دستورية، بل تسهم أيضاً في ترسيخ صورة سلبية عن السياسة والسياسيين لدى الرأي العام وتُغذي الشعور بعدم الجدوى من المشاركة السياسية خصوصاً لدى فئة الشباب كما أنها تفرغ الانتخابات من مضمونها الحقيقي عندما تتحول إلى وسيلة لتبييض السمعة أو للتهرب من المتابعة القضائية بدل أن تكون مدخلاً لخدمة الصالح العام.

التصدي لهذه الظاهرة لا يجب أن يقتصر على القضاء فقط، بل يتطلب إصلاحاً سياسياً وأخلاقياً يشمل الأحزاب السياسية التي ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة في اختيار مرشحين نزهاء وكفاء كما يستوجب الأمر تفعيل المساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل حازم ومستقل مع تعزيز دور مؤسسات الرقابة والصحافة والمجتمع المدني لضمان شفافية الحياة العامة وإعادة الاعتبار للعمل السياسي الشريف.

 

هناك من يحمل الأحزاب السياسية مسؤولية تزكية ” الفاسدين” و”المشبوهين” لكونها تغض الطرف عن سلوكياتهم المشبوهة وترى فيهم ضمانة للحصول على مقاعد برلمانية، وهذا كل ما يهمها، ما رأيكم؟

هذا الرأي يعكس واقعاً مؤسفاً لكنه حقيقي في معظم الحالات، حيث تتحمل بعض الأحزاب السياسية بالفعل مسؤولية مباشرة في تزكية مرشحين تحوم حولهم شبهات الفساد أو سوء السلوك، ليس بناءً على كفاءتهم أو التزامهم الأخلاقي، بل فقط لكونهم يملكون نفوذاً انتخابياً أو قدرة على حشد الأصوات، سواء عبر المال أو شبكات الزبونية أو الولاءات الضيقة.

هذا السلوك يعكس أزمة عميقة في وظيفة الوساطة الحزبية التي يُفترض أن تقوم على أساس التأطير السياسي واختيار النخب القادرة على تمثيل المواطنين بجدية ونزاهة، لكن حين تتحول بعض الأحزاب إلى مجرد آلية للحصول على المقاعد بأي ثمن فإنها تساهم في تمييع العمل السياسي وتفقد ثقة المواطنين في جدوى العملية الانتخابية.

الحل لا يكمن فقط في تحميل المسؤولية القانونية لهؤلاء المرشحين، بل في إعادة الاعتبار للعمل الحزبي الجاد من خلال إصلاح قوانين الأحزاب وفرض معايير واضحة للترشيح وتفعيل آليات الرقابة الداخلية وربط الدعم العمومي بنوعية المرشحين وكفاءتهم وليس بعدد المقاعد فقط لأن إصلاح السياسة يبدأ من بوابة التزكيات فهي التي تحدد من يُفتح له باب الوصول إلى المؤسسات ومن يُقصى منها.

*باحث متخصص في الشؤون السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *