التويجر
ا

 محمد التويجر

لا دلالة للتنمية الاجتماعية إذا لم تكن آثارها بادية على كل الربوع والمواطنين….

لا معنى للشعارات البراقة والخطب العصماء، إذا لم تفعل على الواقع…

لا ترجمة لمفهوم روح المواطنة، إذا لم نلمس ترجمتها في علاقتنا بيننا نحن المواطنين.

ما حدث بنواحي تارودانت يدمي القلوب…

توالت بالمنطقة الفواجع الواحدة تلوى الأخرى. ففي ظرف أقل من شهرين فقد قرابة أربعين فردا حياتهم ضريبة للإهمال.

نعم لا راد لقضاء الله… لكن، نعم أيضا لمسؤولية القيمين على شؤون المواطنين بمختلف درجاتهم.

لو تم التدخل بسرعة لإنقاذ ضحايا انهيار جزء من جبل إجوكاك، لأسعفنا الحظ في إنقاذ ضحايا محتملين.

لو كانت المسالك الوعرة مجهزة بما فيه الكفاية لتفادينا ما حدث قبل أيام بنواحي إيمنتانوت ، ( قتيلان في حادث انقلاب سيارة فلاحية كانت تقل على متنها فريقا قرويا لكرة القدم )، واسألوا ” أهل المكان “…طرق ضيقة يستحيل معها مرور عربتين في وقت واحد.

من أفتى ببناء ملعب تازيرت ب”جنب الواد “؟؟؟؟….أما كم كلف من مال، فذاك موضوع آخر.

لماذا الإصرار على وأد فرح أبناء المغرب المنسي عبر تجاهل حقوقهم الطبيعية في العيش الكريم؟؟.

ألا يستحق سكان المداشر القصية أن يحظوا هم الآخرون ببعض فتات الملايير التي يسمعون عنها، دون أن يلمسوا آثارها.

كم من هؤلاء حل بالملعب المقبرة ، وشهر غشت يستعد ليلفظ آخر أنفاسه ، دون أن يدور بخلدهم أنهم سيصبحون بعد لحظات ضيوفا محتملين على مشرحة المستشفى الإقليمي لتحديد أسباب الوفاة، ولو أنها معروفة سلفا : “الموت محاصرين بمياه واد يجلجل ، بأمواج متلاطمة ، تحمل بين ثناياها آلاف الأطنان من الطمي والحجارة والأخشاب ، بل حتى البهائم النافقة ” .

جاءوا لقضاء لحظات انشراح بمناسبة نهائي دوري محلي في كرة القدم، سارحين بخيالهم الصغير بأنهم يشقون طريقهم نحو شهرة حجي وبوصوفة وبودربالة الذين انتشلتهم الألطاف الإلهية ذات يوم من محيط مشابه وقدر كان بالإمكان أن يكون نسخة طبق الأصل لما حدث وما سيحدث، ما دام أن الوضع هو هو، لا يتبدل…لا يتغير.

حتى الكهول ضربوا موعدا هناك ل”قتل الوقت”، منتظرين حلول موعد صلاة المغرب، آملين في غنم سويعات مرح قبل مناجاة الحي الكريم الجواد الذي لا يميز بين عباده، جاهلين بأنهم سائرون نحو قدرهم، بل مثواهم الأخير.

وأد من أفتى بتشييد ملعب بمكان غير طبيعي فرحة هؤلاء وهؤلاء، فتحول الفرح إلى مأثم….تشجيعاتهم تركت مكانها لعبارات التشهد والحوقلة وبكاء الرجال، وكذا عويل النساء، وهم مشدوهين يرون – على المباشر – البعض من ذويهم وقد صاروا جزء من مشهد الفزع الأكبر.

بسرعة البرق، تحولت صور المشهد الرهيب إلى حطب يغذي جشع “مواقع الصرف الصحي الإلكترونية” التي اعتادت تذييل لقطاتها بدعوة إلى الضغط على الجرس”كي يصلك جديدنا ” ، دون أن يغوص أي من مدرائها في تعرية الحقيقة الذي أدت إلى كذا وضع.

أما المسؤولون فقد وصلوا إلى مكان الحادث متأخرين كعادتهم ، شغلهم الشاغل تصنع المؤازرة والدعم المعنوي لذوي الضحايا مادامت كاميرات المواقع المذكورة “شاعلة”، مهيأة لتلميع الصورة.

هي المشاهد ذاتها تتكرر لتطوى بسرعة، في انتظار أخرى أشد وطأة وإيلاما، ليبقى معها مسلسل الإهمال متواصلا، مجسدا لذاك البون المهول الموجود بين مدن تعيش التحضر الباذخ، وقرى ومداشر منسية مازالت غالبيتها تغرق في سنوات القساوة والجهل والتجاهل.

نعم، من المسلمات أن المغرب وطننا جميعا، لكن حبذا لو لمسنا حقيقة لا تهيؤا التعاطي مع قضايا مواطنيه بالعدالة المرجوة والفرص المتكافئة في الشدة والرخاء…. ودون ذلك مجرد شعارات.

رحم الله ضحايا الجنوب ، وألهم ذويهم الصبر والسلوان ، والله يحد الباس.

آخر الكلام….ألا تستحق الأحداث المتوالية تفعيل مخطط استعجالي يرد لساكنة المغرب المنسي شيئا من كبريائه وكرامته ….أما إعلان الحداد ، ف….( كملوا من عندكم(.

 إذاعي ومؤلف رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *