الشيء الوحيد الذي أثار حفيظة المعلق الرياضي العُروبي القومي المتشبع بشعار “انصر أختك ظالمة أو مظلومة”، هو حين حدث احتكاك بين لاعبة من الجزائر وأخرى من غانا.

*أحمد الدافري

الرجل ذو اللكنة المشرقية، الذي لا أعرف اسمه ولا جنسيته، الذي كان يعلق أمس في قناة بيين سبورت على مباراة ربع نهاية كأس أمم أفريقيا في كرة القدم سيدات التي احتضنها الملعب البلدي بمدينة بركان، بين منتخب غانا ومنتخب الجزائر، تفنن في إعطاء نموذج عن التعليق الرياضي الخبيث الحقير، المتشبع بالحقد والعنصرية والبلادة والغباء، وبدا مثل ماريونيت يقوم بإخراج الألفاظ من فمه بطريقة آلية مكتوبة سلفا، لتبرير أي إخفاق يتعرص له منتخب نساء الجزائر.

المباراة في الأصل كانت جد ضعيفة، من جانب المنتخبين، لا ترقى إلى الحد الأدنى مما هو مطلوب، ولا تستحق أن يتابعها من يرى في كرة القدم لعبة للإمتاع.

لقد كانت جد فقيرة فنيا، ويمكن اختزالها في وجود لاعبات فوق الميدان، يجرين هنا وهناك، ويركلن الكرة برعونة وبدون أي هدف.

هذه تعفس على تلك، وتلك تضع قدمها فوق قدم تلك، في إطار لعب عشوائي يكشف أن اللاعبات كنّ منهكات، غير قادرات على فعل أي شيء آخر غير الخشونة وتضييع الكرات، سواء من جانب منتخب غانا أو من جانب منتخب الجزائر.

ورغم أن السيدة الرواندية التي تم تكليفها بالإشراف على التحكيم داخل الميدان، كانت تبذل قصارى جهدها من أجل أداء مهمتها بنزاهة، فإن المعلق في القناة القطرية لم يتوقف عن الإساءة إليها بكلام جارح فيه اتهامات لا تستند على أي أساس.

كان يحاول أن يوحي للمشاهدين بأنها منحازة للاعبات الغانيات.

بل وصل به الأمر أنه اتهمها في ضربات الترجيح بأنها تستفز اللاعبات الجزائريات وتحاول أن تخرجهن من تركيزهن حتى يضيعن الضربات.

وهذا كلام خطير، لو كان للقناة التي يشتغل فيها هذا المعلق قانون لأخلاقيات المهنة، لحاسبته عليه، لكن يبدو أن إدارة القناة لا تهمها أخلاقيات المهنة، وإنما يهمها أن يتكلف معلقوها بدغدغة عواطف مشاهديها الذين تعتبرهم عربا، وترغب في إظهار أنها منحازة إلى بلدانهم وأنها تشجع منتخباتهم ضد منتخبات بلدان أخرى غير عربية..

السيدة الرواندية مثل كل حكام العالم، كانت تجد نفسها أحيانا في وضع لا يسمح لها بأن ترى ما حدث بدقة، وترتكب أخطاء، هي ومساعدتاها. وهي أخطاء يمكن أن يرتكبها كل حكام العالم.

في مرة، بعد أن أعاد المخرج اللقطة، اتضح أن الكرة كان من المفروض أن تكون ضربة ركنية لفائدة غانا بعد أن لمستها لاعبة الجزائر ، لكن تم الإعلان عن ضربة مرمى
لفائدة منتخب الجزائر، وتم حرمان منتخب غانا من ركنية.

وفي مرة ثانية، بعد الإعادة، اتضح أن لاعبة جزائرية كانت هي آخر من لمست الكرة قبل أن تخرج، لكن تم الإعلان عن رمية جانبية لفائدة منتخب الجزائر في نصف الملعب الغاني، رغم احتجاج اللاعبة الغانية التي كانت مشاركة في اللعبة.

وفي مرة ثالثة وضعت لاعبة جزائرية قدمها فوق قدم لاعبة غينية وأعاقتها عن مواصلة اللعب وأسقطتها، ولم يتم الإعلان عن أي خطأ.

وفي مرة رابعة وجهت لاعبة جزائرية عن قصد، وبدون كرة، ركلة لساق لاعبة غانية، وكان من الممكن أن تتسبب لها في إصابة خطيرة، ولم يتم الرجوع إلى “الفار” لتقدير هل الاعتداء يستحق طرد اللاعبة الجزائرية أم تستحق فقط إنذارا.

الشيء الوحيد الذي أثار حفيظة المعلق الرياضي العُروبي القومي المتشبع بشعار “انصر أختك ظالمة أو مظلومة”، هو حين حدث احتكاك بين لاعبة من الجزائر وأخرى من غانا.

وفي اللحظة التي حاولت فيها اللاعبة الغانية السبق نحو الكرة، لمست اللاعبة الجزائرية بمرفقها في وجهها، مما تسبب لهذه الأخيرة في جرح، وهي العملية التي لم تكن السيدة الرواندية في موقع يسمح لها بأن تحكم عليها بدقة، مما جعلها تأمر بمواصلة اللعب، قبل أن يتضح من خلال الإعادة أن اللاعبة الغانية لمست بالفعل وجه اللاعبة الجزائرية، لكن لم يكن هناك تعمد ولا قصد ولا هم بحزنون، بل إن الاحتكاك كان عاديا، لكن المعلق الرياضي اعتبر أن هناك مؤامرة تحكيمية ضد الجزائز، وبدأ يطالب بطرد اللاعبة الغانية عوض إنذارها، بل إنه طيلة أطوار المباراة بشوطيها الإضافيين، لم يتوقف عن إعطاء تأويلات بئيسة، تعبر عن حقد وتحامل، إذ أن أي قرار تحكيمي، مهما كان عاديا وطبيعيا، يفسره على أساس أن الهدف منه هو تنفيذ مخطط ضد نساء الجزائر.

ولعل الأمر المثير للضحك وللشفقة من حال هذا المعلق، هو أن لاعبة غانية سجلت هدفا بدا للجميع أنه مشروع ولا مشكلة فيه، وحتى عندما تمت الإعادة بدا أن اللاعبة الغانية التي تسلمت الكرة وقدمت الأسيست كانت في نفس الخط مع مدافعة جزائرية، ولا يمكن إطلاقا الجزم بأنها كانت في حالة تسلل.

لكن بعدما تم الإعلان عن هدف واستسلمت اللاعبات الجزائريات للقرار، طالبت السيدة الرواندية بالتريث والانتظار، إلى أن يتم إعطاء القرار من غرفة الفار، وتوقف اللعب لمدة فاقت ثلاث دقائق، لتعلن أخيرا أن الهدف غير مشروع، بينما الإعادة أظهرت أنه لا وجود لتسلل ولا هم يحزنون، وهو ما يمكن بالتأكيد وفق المنطق نفسه الذي كان معلق بيين سبورت يرى به المباراة، اعتباره مؤامرة ضد منتخب غانا، تم تدبيرها في كواليس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم من أجل إقصاء منتخب غانا.

أمر آخر مثير للضحك والسخرية من حال هذا المعلق العُروبي القومي الذي يعتقد أن التعليق الرياضي هو أن تشحن الناس ضد فريق تتوهم أنه عدو وليس مجرد منافس في مباراة رياضية، هو أنه لم يكن يجرؤ على أن ينطق الاسم الصحيح للاعبة جزائرية اسمها “أمينة ولد براهام Amina Ould Braham”.

كان تارة يسميها أمينة ولد برام، وتارة أمينة ولد برايم وتارة أمينة ولد براين.

المهم هو أنك لا يمكن أن تسمع منه اسم “ولد براهام”. لأن عقليته وثقافته وفكره مترسخ فيها أن اسم “براهام” هو اسم عِبري يهودي وليس اسما عربيا.

وكان يخاف إن نطق “براهام” أن يقترف ذنبا عظيما، بإساءته إلى العرق الجزائري الذي يريده أن يكون عربيا خالصا ولا وجوذ فيه لأي اختلاط مع أي عرق آخر.

إنها حالة من حالات التعليق الرياضي التعيس البئيس، الذي يعكس صورة متخلفة عن أخلاق إعلام تجاوزه الزمان.
وهذا ما كان.

*كاتب / صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *