عندما يصاب بن عبد الله بإسهال الخرجات والثرثرة، لا تنظروا إلى أقواله، عودوا إلى أفعاله وبعد ذلك حاكموه بما يليق به.
*محمد الجرفي
من يتابع تصريحات الأمين لحزب التقدم والاشتراكية، يعتقد أنه صاحب مشروع مجتمعي، ومدافع حقيقي عن قضايا الوطن والمواطنين، ومؤمن بالديمقراطية كآلية لتدبير التنظيمات السياسية، ومؤسسات الدولة، وحسم قضايا المجتمع. لكن الواقع غير ذلك تماما.
من يتابع نبيل يتحدث في وسائل الإعلام، ومنظرا لمناضلي الحزب، أو مساهما في نقاش عمومي، يعتقد أن هذا الرجل، يمثل القطعة المفقودة، في مشهد سياسي نمطي يكرر نفسه حد التشابه.
والديمقراطي الأول ضمن كوكبة أمناء عاميين لا يؤمنون بالنضال من موقع آخر غير المسؤول الأول.
وممن يكرهون النضال الصوفي دون موقع، ودون سعي لمغنم سياسي نفعي أو مادي، أو مما يغري بالبقاء متمسكا بدفة القيادة.
بن عبد الله ليس عالم رياضيات، أو عالم إحياء، أو عالم ذرة، أو باحث في علم الاجتماع، أو رجل قانون، فالرجل يتقمص شخصية الذي خبر عقلية من يتوجه إليهم بالكلام.
فهو مستعد لتكييف الخطاب حسب الموقع، واللحظة، والغاية. لا منطق ولا خيط رابط، بين مسار رجل تقلب بين مسؤوليات شتى، في مراحل عمرية مختلفة، ومن مواقع مسؤولية كثيرة ومتصلة.
عندما التحقت بحزب التقدم والاشتراكية سنة 2014، لم أنتبه إلى زيف خطابات الرجل.
بعد سنة ونيف، وهو يوجه حديثه للحضور في منزل أحد المرشحين ببطانة، زمن الحملة الانتخابية، سنة2015، بصيغة مفادها، أن منظومة الفساد تترنح، وأن بنيته باتت غير قادرة على الاستمرار، لمدة أطول من خمس سنوات، بعدما راهنت على استنزاف مشروع الإصلاح.
عاد ليكرر نفس الأسطوانة، لكن بإضافات تضفي عليه هالة البطل الذي يحارب قوى الشر.
كنا حوالي الثلاثين شخصا في ذلك المجلس، نفذ خطاب الرجل إلى عقولنا، بل واستقر في القلوب.
كيف لا وكلماته أشارت إلى الفساد، منظومته، بنيته، ومصطلحات الاستنزاف، والترنح، ورسائل مبنية للمجهول، وتلميح أقرب إلى التصريح.
مرت الانتخابات، وقد حصد الحزب نتائج لم يسبق له أن حققها، حتى في زمن سطوة خطاب المعارضة، وانقياد الجماهير لخطاباتها، والتصاق المواطنين بمشروعها السياسي.
حدث في تلك المحطة أن حقق الحزب اختراقا في عدد الأصوات، والمستشارين، تجاوز أحزابا هيمنت لسنوات على المشهد السياسي المحلي.
فماذا فعل نبيل بن عبد الله؟.
ولن أقول الحزب، لأن هذه السنوات من الانتماء لحزب التقدم والاشتراكية، سمحت لي بحسم الصورة في بعدها الحقيقي، فالحزب هو الأمين العام، والأمين العام هو الحزب، ولا مجال للفصل بينهما.
حضر بن عبد الله في حفل احتضنته قاعة الافراح بعمالة سلا للاحتفال بالنتائج المحققة.
عانق الميكرفون مجددا كطفل يعانق لعبة جديدة.
ألقى خطابه، وعانق من عانق من حراس المعبد، وانصرف.
هل استثمر تلك النتائج، وتقرب من الناس أكثر؟.
هل نجح في مواكبة ذلك الاختراق، بالإنصات إلى المستشارين الجدد أو منحهم إحساسا بالانتماء؟.
هل فكر في إلحاقهم تنظيما بالحزب، وتعبيد للطريق لهم لخلق عقيدة حزبية محلية تستثمر هذا الواقع الجديد؟.
أبدا.
ما إن انتهت الانتخابات، حتى انتهى كل شيء.
عاد نبيل إلى وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، وتفرغ لأنشطته الرسمية، ولا أذكر أنه فكر يومها في ربط الحزب تنظيميا بكتلة من المستشارين.
احتفى بالأرقام، وأصبحت وفق حساباته، أرقاما يزايد بها، على صحة وسلامة التنظيم، وتمدد إشعاعه، وإيمان الناس به، واقتناع المواطنين/ الناخبين به.
ما بين محطة الانتخابات الجماعية التي حقق فيها الحزب نجاحا نوعيا، ونهاية الولاية سنة2021، نظم الحزب مؤتمره الوطني، سنة 2018، تحت شعار نفس ديمقراطي جديد، من تجلياته، تحديد التمثيلية في المؤتمرالمحلي، والوطني، واقتراحات اللجنة المركزية، بقيمة المساهمة المالية.
ولأننا كنا جدد على هذه الثقافة الحزبية، كان حجم مساهمتنا المالية متواضعا بحجم المنتمين للحزب بفرع الحزب بالعيايدة الذي كنت كاتبا له، بينما عمدت فروع أخرى إلى تضخيم عدد المشاركين، والنتيجة تمثيلية أكبر بالمؤتمر المحلي والوطني، ومقاعد أكثر باللجنة التنفيذية، وفي المحصلة قفزة كبيرة لعضوية المكتب السياسي، بعد تفعيل خاصية الاستعانة بصديق أو رواد مقهى أغلبهم من الفتيات لتأثيث مؤتمر إقليمي، لم يكن سوى بروفة لمؤتمر وطني خاصم شعاره.
في ذلك المؤتمر أقصي النائب الأول للعمدة من الحضور للمؤتمر، وتم حل المشكل بمنحه العضوية عن طريق إحدى تنظيمات الحزب الموازية.
مر المؤتمر، بنتائجه التي نعرفها جميعها، وضمن نبيل من جديد الأمانة العامة، وتفويضا جديدا لإطلاق التصريحات والتنظير، وكتم النفس الديمقراطي الجديد، بطرد كل من عبر عن رأي مخالف. وعندما لم يسعفه الطرد والشيطنة، مر إلى السرعة القصوى، وأغلق المقر في وجه أعضاء من المكتب السياسي، وخاطب مقربا منه بعبارة بذيئة، ولم يتردد في تهديد من يتجرأ على حضور اشغال اللجنة المركزية بعبارات لا تليق بأمين عام لحزب سياسي تقلب في عدة مسؤوليات رسمية.
كل هذا من أجل ماذا؟ .
كل هذا وأكثر من أجل أن يستمر أمينا عاما لأطول مدة ممكنة، ويدير هذا الأصل التجاري وفق ما تفرضه الظروف، متصرفا في مالية الحزب، ومتصدقا على أعضاء اللجنة المركزية بدقيقتين لكل عضو مرة كل ستة أشهر، مقابل احتكار للكلام والسفسطة، واعدا الحاشية والحواريين بالمناصب والمنافع، ومستوعبا متعهدي خدمة البريد المستعجل في رصد كل من يزيغ عن دين نبيل بنعبد الله، بالعطايا الصغيرة والوعود المؤجلة لإطالة أمد الخدمة.
في هذا الزمن السياسي المغربي المتردي، نبيل بن عبدالله، ليس حالة معزولة، هو يشبه زمانه، وواحد من العشرات، ونسخة من ذوات تتشابه في الجينات وتختلف في التفاصيل، تشترك في حب الكراسي والادمان عليه، مع اختلاف بسيط أن لكل أسلوبه في تحقيق الهدف المشترك.
لذلك فتوالي هذه النسخ من محترفي السياسة، وعدم نجاحهم في تطوير أسلوبهم، لم يعد كافيا لخداع ملايين المغاربة.
والدليل أن بن عبد الله أمين عام منذ أكثر من خمسة عشر سنة، ووزير منذ أكثر من عشرين سنة، وسفير حتى، لكنه لم يفلح ولو لمرة واحدة في إقناع ناخبي دائرة انتخابية بالتصويت له، رغم أنه ترشح في أكثر من مدينة.
لأن التجارب والسياسة علمت المغاربة، أن ينظروا إلى الأفعال، لا إلى الأقوال.
لذلك عندما يصيب بن عبد الله إسهال الخرجات والثرثرة، لا تنظروا إلى أقواله، عودوا إلى أفعاله وبعد ذلك حاكموه بما يليق به.
*عضو اللجنة المركزية