هذا الوضع المُعقَّد يُشكِّل عائقًا كبيرًا أمام رفع أي دعاوى قضائية تتعلق بالشؤون المتعلقة بدولة السودان.

*الدكتور محمد صادق

يُعتبر التدخل الفرنسي في السودان جزءًا من تاريخ معقد يمتد لقرون من الاستعمار والتأثير الأوروبي في إفريقيا. 

على الرغم من أن فرنسا لم تقم باحتلال السودان بنفس الطريقة التي فعلتها مع بلدان أخرى في القارة، إلا أن هناك العديد من الجوانب التي توضح كيف حاولت فرنسا استعادة نفوذها في منطقة شهدت تغييرات جذرية منذ الاستقلال.

تستمد هذه القضية أهميتها من الإرث الفرنسي العميق في القارة الإفريقية، حيث سعت فرنسا دائمًا إلى تعزيز مصالحها السياسية والاقتصادية. 

ومع ذلك، فقد خسرت العديد من ممتلكاتها الاستعمارية بعد موجات الاستقلال خلال القرن العشرين.

مؤخرا، تداولت الصحف ووسائل الإعلام، أخبار حول مساعي فرنسية لإجراء تحقيق مع عبد الفتاح البرهان في المحكمة الجنائية الدولية. 

والأمر ليس مستجدًا، إذ كانت فرنسا قد حاولت ربط البرهان بقضايا قانونية منذ أن رفض تسليم عمر البشير بعد سقوط النظام السابق في 2019.

لكن الموضوع أكثر تعقيدا بالنسبة للفرنسيين، وذلك لأسباب عدة تتمثل أساسًا في إنسحاب السودان من نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية. 

هذا الوضع المُعقَّد يُشكِّل عائقًا كبيرًا أمام رفع أي دعاوى قضائية تتعلق بالشؤون المتعلقة بدولة السودان.

وعليه، اتجهت باريس إلى خيار رفع الدعوى عبر مجلس الأمن الدولي.

وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن فرنسا حاولت الحصول على مذكرة من الأمم المتحدة لبدء التحقيق.

كما أن الخطة الفرنسية سوف تتم بمساعدة القاضي الفرنسي المعروف نيكولا غيو والذي شغل منصب قاضٍ في محكمة كوسوفو المتخصصة والمحكمة الجنائية الدولية، وفي منصبه السابق، أصدر مذكرة توقيف بحق عدّة شخصيات سياسية.

لكن وبحسب وسائل الإعلام، فإن ممثلي كلا من روسيا والصين لدى الأمم المتحدة، أوضحوا وبكل وضوح أنه ما إذا تم رفع هذه القضية من قبل فرنسا، فإنهم سيستخدموا حق النقض -الفيتو-، كما أحبطت روسيا سابقا المحاولة البريطانية للتدخل في الشأن السوداني عن طريق مجلس الأمن، ما اعتبرته السلطات السودانية تعديًا على سيادتها.

حيث كانت بريطانيا قد قدمت مشروع قرار بشأن الحرب في السودان للتصويت في مجلس الأمن المؤلف من 15 عضوا، يدعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية وحماية المدنيين من النزاع الذي يمزق البلاد منذ أبريل 2023، دون تحديد الجهة المسؤولة عن تنفيذ ذلك. 

وحصل المشروع على موافقة 14 عضوا من أصل 15، وعارضته روسيا، أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس. 

ولتوضيح سبب المعارضة، قال دميتري بوليانسكي نائب مندوب روسيا الدائم بالأمم المتحدة، إن “روسيا متفقة مع أعضاء مجلس الأمن على ضرورة إيجاد حل عاجل للوضع في السودان.

لكن مشروع القرار لا يحدد ’المسؤول’ عن قضايا مثل حماية المدنيين والحدود، ومن يجب أن يتخذ قرار دعوة قوات أجنبية إلى البلاد ومع من يجب أن يتعاون مسؤولو الأمم المتحدة لمعالجة المشاكل القائمة”. 

وأضاف بوليانسكي أن بريطانيا تجنبت الإشارة صراحة إلى الحكومة السودانية الشرعية، وهو “أمر غير مقبول”.

*كاتب وباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *