تورط النظام في إيران في دعم جبهة البوليساريو الانفصالية، وتورّطه إلى جانب الخصم اللدود الجزائر في مدّ الانفصاليين بالأسلحة والخبرة والتدريب.

*الدكتور نور الدين اليزيد

التسرّع المتهافت لحزب العدالة والتنمية (الإسلامي)، المعارض حاليًا، والذي أدار الحكومة بالمملكة المغربية لولايتين متتاليتين (من 2011 إلى 2021)، من أجل إبداء الدعم غير المشروط للنظام الإيراني، دون أدنى تحفّظ في حربه مع إسـرائيل، وهو الحزب نفسه الذي يعلم قادته علم اليقين مدى تآمر هذا النظام ضد الوحدة الترابية للمغرب، بحكم مناصبهم الحكومية واطّلاعهم على ملفات الدولة الحساسة، يستدعي إبداء الملاحظات التالية:

خلال الشهور الأخيرة، أبدى قادة الحزب، صقورهم وحمائمهم، يتقدّمهم كبيرهم الذي علّمهم الجحود إزاء الدولة..، عبد الإله بنكيران، إصرارًا عجيبًا وغريبًا على معاكسة مصالح الدولة ومناكفة مؤسّساتها … 

وقد تعامل هؤلاء، لاسيّما خلال التطورات والأحداث المتعلقة بقضية فلـسطين، واليوم بخصوص إيران، دون أدنى تحفّظ، ضاربين عرض الحائط كل واجبات رجال الدولة في الحفاظ على الحدّ الأدنى من الاحترام لقراراتها، خاصة عندما يتعلّق الأمر بقرارات كانوا شركاء رئيسيين في صياغتها، من قبيل قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإبرام اتفاق التطبيع!.

في فيديو موثق، يعود تاريخه إلى نحو ثماني سنوات، يظهر القيادي الحالي في الحزب والوزير الناطق باسم الحكومة حينئذ، مصطفى الخلفي، وهو يسرد بتفاصيل دقيقة – إلى حدّ الملل – القرائن والأدلّة التي تؤكد تورط النظام في إيران في دعم جبهة البوليساريو الانفصالية، وتورّطه إلى جانب الخصم اللدود الجزائر في مدّ الانفصاليين بالأسلحة والخبرة والتدريب؛ بل وصرّح للصحافيين بأن “لا منزلة بين المنزلتين” بخصوص قضية الوحدة الترابية للمغرب، التي اعتبرها “خطًّا أحمر”، يبدو أن إيران تجاوزته أو حاولت ذلك، وعليه كان لا بد من اتخاذ موقف حازم ضدها، وفق تعبير الخلفي.

يبدو أن “الخط الأحمر” ذاك ما يزال ناصع اللون عند المغاربة، إذ لم يطرأ إلى اليوم أي تغيير في موقف إيران المناوئ للوحدة الترابية، بل تواصلت مواقفها العدائية حتى وقت قريب، من خلال تصريحات مسؤولين وتحركات سياسية إيرانية تتماهى مع الطرح العدائي لخصوم الوحدة الترابية للمملكة. وهو ما يدعو إلى تساؤلات كبرى حول النوايا الحقيقية لقادة حزب “البيجيدي”، وهم يتحسرون اليوم بأشد العبارات وأجرئها – بل وأوقحها – على ما يلحق بـ”القادة الإيرانيين” من اغتيالات، علمًا أن هؤلاء “القادة وأمثالهم” كانوا هم أنفسهم مَن ندد بهم الحزب الإسلامي المغربي حين كان في الحكم، واتهمهم بتهديد أمن وسلامة أراضي المملكة.

هذا التناقض في الخطاب لا يمكن تبريره مطلقًا بتغيّر موقع حزب “البيجيدي” وانتقاله من الأغلبية الحكومية إلى صفوف المعارضة، إذ إن ما سموه وهم في الحكومة بـ”الخطوط الحمراء” ما تزال هي نفسها، وما تزال الدولة المتهمة من قبل المغرب بتهديد وحدة أراضيه، تتبنى نفس الأطروحة العدائية، بل ربما باتت من أشد وأكبر الداعمين لنزعة الانفصال ببلادنا، بالنظر إلى مستجدات القضية الوطنية، وما أسفر عنه اتفاق التطبيع من التحاق كل من إسـرائيل والولايات المتحدة بالدول المؤيدة للطرح المغربي.

قد يذهب البعض إلى تبرير موقف “العدالة والتنمية” بأنه تضامن وانتصار للشعب الإيراني ومقدراته، لكن هذا القول مردود عليه، ما دام البيان نفسه – الذي صاغه، من بين آخرين، عضو الأمانة العامة والوزير السابق مصطفى الخلفي – يتحدّث ويتأسف على “اغتيال قيادات إيرانية”، وما دامت التصريحات المتواترة لقيادات حزبية ووزراء سابقين من الحزب تؤكّد في أكثر من مناسبة تأييدهم وموالاة بعضهم للنظام الإيراني، ومعه حليفه “حزب الله” اللبناني، الذي يتّخذ نفس الموقف العدائي من المغرب.

يبقى الأرجح أن مواقف من هذا النوع لا يمكن تصنيفها إلا ضمن خانة “الابتزاز السياسي” المُريب، وهو أمر بالغ الخطورة، عندما تصبح مصالح الوطن العليا، واتخاذ أعداء الوطن والوحدة الترابية أولياء ..، أوراقًا يستعملها حزب سياسي قاد الحكومة لعقد من الزمن (العدالة والتنمية)، في سباقه مع خصومه السياسيين ومناكفته للدولة طمعًا في مكاسب سياسية مفقودة. 

أمر يستدعي لا محال اتخاذ ما يلزم من صرامة لردع هؤلاء العابثين بمصالح الوطن والدولة!.

*كاتب وصحفي ومحلل سياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *