لقد حرصت حكومة أخنوش، منذ تعيينها، على إدماج البعد الحقوقي في سياساتها العمومية، حيث راعت العديد من المبادرات الحكومية هذا البعد، سواء تعلّق الأمر بالمبادرات الاقتصادية والاجتماعية أو بالتشريعات.
*جمال بورفيسي
لم يكن استقبال عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، يوم الأربعاء 11 يونيو 2025 بالرباط، لمحمد الحبيب بلكوش، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، حدثاً عابراً يمكن أن يمر مرور الكرام.
بل هو مناسبة تحمل دلالات قوية، ليست فقط رمزية، بل ملموسة، تتعلق بالأهمية التي يوليها رئيس الحكومة لموضوع حقوق الإنسان.
اللقاء، كما ورد في منشور على الصفحة الرسمية لرئيس الحكومة، شكّل “مناسبة للتطرق إلى تعزيز المكاسب التي حققتها بلادنا في مجال حقوق الإنسان، وأهمية إدماج ثقافة هذه الحقوق في السياسات العمومية، تكريساً لمقتضيات دستور المملكة، وتماشياً مع التوجيهات الملكية السامية”. وهنا بيت القصيد.
لقد حرصت الحكومة، منذ تعيينها، على إدماج البعد الحقوقي في سياساتها العمومية، حيث راعت العديد من المبادرات الحكومية هذا البعد، سواء تعلّق الأمر بالمبادرات الاقتصادية والاجتماعية أو بالتشريعات.
وقد باشرت الحكومة عملها بالتأكيد على أهمية هذا البعد، ويشاء السياق أن يستقبل المندوب الوزارية في الشهور الاولى على تعيينه في هذا المنصب، في رمزية دالة على الأهمية التي توليها الحكومة للمسألة الحقوقية، وتجسد احترامها لتعهداتها في هذا المجال.
صحيح أننا، في ظل هذه الحكومة، انشغلنا كغيرنا من المعارضة والرأي العام بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، دون أن نربطها ببعدها الحقوقي، في غفلة أو “جهل” منا، لأننا اختزلنا حقوق الإنسان في بعدها السياسي فقط، وهو تقصير وقصور في النظر.
فهل هي صدفة أن المعارضة لم تنشغل يوماً بموضوع حقوق الإنسان في أبعاده الشاملة ودلالاته العميقة؟ .
لقد طغت مساءلة الحكومة حول قضايا روتينية: الأسعار، الجفاف، تراجع القطيع، وتوارت المسألة الحقوقية إلى الخلف.
لكن رئيس الحكومة أعاد طرحها بقوة من خلال استقباله للمندوب الوزاري محمد لحبيب بلكوش، وهو شخصية كرّست حياتها للنضال الحقوقي، قضى بعضها وراء القضبان ثمناً لهذا النضال.
لقد جعلت الحكومة من حقوق الإنسان إحدى أولوياتها. ومن هذا المنطلق، لم يكن انشغالها بها أقل من انشغالها بالتعليم والصحة وتعميم التغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر.
إن حقوق الإنسان، كما نعلم، لا تنحصر في الحقوق السياسية فقط، بل تشمل أيضاً الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
وهنا، كانت الحكومة في الموعد. فقد أدمجت هذا البعد في مجمل سياساتها، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية، واعتمدت استراتيجية واضحة تقوم على ركائز أساسية، أبرزها: دعم الأجور، تحسين أوضاع الأجراء والموظفين، تعميم التغطية الصحية، “مدخول الكرامة” للمسنين، الدعم الاجتماعي المباشر، دعم السكن، ومبادرات تحفيز التشغيل.
وعلى المستوى الثقافي، أولت الحكومة اهتماماً متزايداً بالقضية الأمازيغية من خلال رفع الاعتمادات المخصصة للنهوض بها، وتوسيع مجال تدريسها واستعمالها في الحياة العامة.
وقد تحركت الحكومة في هذه القضايا بهمة ونشاط، في إطار اهتمامها الشامل بالمسألة الحقوقية.
ويتجلى هذا الاهتمام أيضاً في البرنامج الحكومي، الذي استعرض في بداياته الأوراش الكبرى التي انخرط فيها المغرب بقيادة جلالة الملك.
فـ”المغرب بلد آمن، والإرادة الحقوقية والإصلاحية الراسخة لجلالة الملك محمد السادس، وانخراط جميع القوى الحية، تحصد اليوم ما زرعته خلال العقدين الأخيرين من مبادرات سياسية وحقوقية كبرى: دستور 2011، إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، التغييرات الجذرية في مدونة الأسرة، المفهوم الجديد للسلطة، ورش الجهوية المتقدمة، إصلاح منظومة العدالة، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها من الأوراش الاستراتيجية، التي سنعمل على استثمارها وتعزيز أثرها الإيجابي على حياة المواطنين، لبناء مجتمع مغربي أصيل بهويته وثقافته المتنوعة، وحداثي بانفتاحه على القيم الإنسانية الكونية المشتركة”.
ويضيف البرنامج: “نحن واعون بأن الإصلاحات المرتقبة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لن تستقيم إلا بمواصلة وتعميق مسار الإصلاح السياسي والديمقراطي ببلادنا. وهو مسار نؤمن بأنه مسؤولية جماعية: حكومة وبرلماناً، أغلبية ومعارضة، أحزاباً سياسية وقوى حية ومجتمعاً مدنياً. وأولى خطواته التحلي بالنقد الذاتي في خطابنا وممارساتنا، مدخلاً لنقل هذا الإصلاح إلى أنفسنا، ومنه إلى باقي مؤسساتنا الدستورية، لتحقيق إصلاح شامل، أكثر عمقاً وفعالية”.
وبالمناسبة، لا بأس من التذكير بأن البرنامج الحكومي يقوم على خمسة مبادئ أساسية:
1.تحسين الاختيار الديمقراطي وتعزيز آلياته.
2.مأسسة العدالة الاجتماعية.
3.وضع الرأسمال البشري في صلب تفعيل النموذج التنموي الجديد.
4.جعل كرامة المواطن أساس السياسات العمومية.
5.توسيع قاعدة الطبقة الوسطى وتعزيز قدراتها الشرائية.
هذه المبادئ الخمسة تختزل جوهر المسألة الحقوقية برمتها.