المطلوب من السيد مقري وأمثاله أن يبذلوا جهودهم في تنظيف بيوتهم، وترك المغرب وشأنه، فأهل المغرب أولى وأدرى بشعابه، وتعقيداته، وتحالفاته

*عبدالعال حامي الدين

بعض السياسيين الجزائريين يلبسون عباءة النصح وهم يخفون رياح الفتنة..

خرج علينا السيد عبد الرزاق مقري، من وراء الحدود، برسالة حماسية ظاهرها الغيرة على فلسطين، وباطنها بثّ رياح الفتنة، يدعو فيها الشعب المغربي إلى “الثورة”… على من؟ على نظامه، على تاريخه، على رموزه، على قيمه، وكأن الشعب المغربي أصبح نادلاً في مطعم سياسي تُملَى عليه الوصفات من تندوف أو من باب الوادي في العاصمة الجزائر.

ليست هذه المرة الأولى التي ينبري فيها السيد عبد الرزاق مقري للتدخل في الحياة السياسية المغربية، بطريقة فيها الكثير من الخفة والنزق، وعدم الاستيعاب لتعقيدات السياسة الداخلية في المغرب.

والسيد مقري هو سياسي جزائري ينحدر من حركة مجتمع السلم، التي كان يقودها المرحوم محفوظ نحناح، وهي الحركة التي دشنت مسار التعاون والتحالف مع النظام الجزائري في أسوأ نسخه العسكرية، وذهبت في ذلك إلى أبعد الحدود، إلى درجة الدفاع عن النظام السلطوي في مواجهة نتائج الاقتراع التي حملت الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى السلطة، حتى إن زعيم الحركة، محفوظ نحناح ـ غفر الله له ـ قام خطيبًا في تندوف داعمًا لحركة “البوليساريو” الانفصالية، بعدما كان يعتبر أن “الصحراء الغربية” مشكلة مفتعلة، ويكفي ـ بحسب تعبيره ـ إضافة حرف “الميم” إلى مصطلح “الغربية” لتحل المشكلة..!

هذه المرة اختار السيد مقري أن يخاطب المغاربة برسالة مباشرة يدعوهم فيها إلى “مقاومة الخيانة العظيمة التي يقوم بها نظامهم، بكل غالٍ وعزيزٍ يملكونه”، معتبرًا أن “هذه الخيانة المكشوفة المعلومة غير مسبوقة، ولا يمكن لمسلم حر شريف في المغرب أن يتعايش معها”.

وأضاف أن “المسيرات الشعبية الكثيرة المناهضة للتطبيع لم تعد كافية لوقف هذه العمالة والتبعية والخنوع للصهاينة والقوى الاستعمارية، ولا بد من تصعيد شعبي سلمي بوسائل أكثر صرامة… لوقف هذا الانحدار الخائن”.

الحقيقة أن هذا الكلام المستفز، والذي يُعد تحريضًا مباشرًا ضد النظام الملكي، ينم عن جهل كبير بطبيعة العلاقة التي تجمع بين الشعب المغربي ومؤسسته الملكية، تلك العلاقة التي تعود إلى مرحلة الحماية، حين رفض الوطنيون المغاربة مقترح الاستعمار بإقرار دستور للبلاد سنة 1954، واشترطوا قبل ذلك عودة الملك محمد الخامس إلى عرشه، لأنهم كانوا يرون فيه رمزًا سياديًا لا يتم الاستقلال إلا بوجوده. فالنظام القائم، ومهما اختلفت القوى الحية في البلاد مع بعض اختياراته السياسية، فإن شرعيته قائمة على أسس دستورية، قوامها الرضى والاختيار، لا على أساس التسلط وشرعية القوة كما هو الحال في نظام عسكري مهزوز في دولة الجوار، يُوضع محل شك عند كل منعطف صغير أو كبير.

ثانيًا، يحاول السيد مقري أن يصور لنا أن الثورة على النظام الملكي هي مفتاح نصرة إخواننا في غزة، وحلّ القضية الفلسطينية، وإنهاء التطبيع مع العدو الصهيوني. والحقيقة أن الهدف الحقيقي للصهاينة هو تفكيك المفكك وتجزيء المجزأ أصلًا، ومخططاتهم، سواء في المغرب أو الجزائر أو السعودية أو مصر، لا تخفى على أحد، وهي تهدف إلى زرع الشقاق بين الأنظمة وشعوبها، وتحريك النعرات الداخلية لإضعاف الدول القائمة، ودفعها إلى صراعات لا تنتهي.

ولذلك، لو كان السيد مقري صادقًا في دعوته وغيرته، لتوجه بها إلى النظام الحاكم في الجزائر، مطالبًا بإنهاء دعمه المتواصل للمشروع الانفصالي في تندوف، ذلك المشروع الذي تحتضنه الجزائر وتوفر له الغطاء السياسي والدبلوماسي، وهذا العداء الجزائري للمغرب، للأسف، هو حجر الزاوية في خطاب دعاة التطبيع داخل بلادنا، وهو حجة يتذرع بها البعض للاقتراب من إسرائيل، وبذلك تصبح الجزائر شريكة، بطريقة غير مباشرة، في هذا الخيار السياسي والدبلوماسي، رغم اختلافي معه.

كان على السيد مقري، إن كان صادقًا في دعواه، أن يوجّه رسالته إلى الشعب الجزائري، داعيًا إياه للثورة على نظام عسكري أوليغارشي يبدد ثرواته النفطية في دعم مشروع الانفصال لإضعاف جاره الغربي، ودعم مشروع الاستبداد لإضعاف جاره الشرقي، وهو إضعاف لا يخدم في النهاية إلا المشروع الصهيوني… لو يعلمون!

ولو كان السيد مقري منسجمًا مع نفسه فعلًا، لدعا النظام الجزائري إلى السماح لشعبه بالخروج إلى الشارع، والتعبير عن تضامنه مع الفلسطينيين، بدل التوجه بالنصح والوعظ إلى النظام المغربي الذي لم يمنع شعبه من التظاهر، وترك المسيرات المليونية ترفع صوتها في الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش، وفي جل الحواضر المغربية، فضلًا عن مئات المسيرات والوقفات اليومية التي تساند الشعب الفلسطيني، وتطالب بوقف التطبيع، وهو ما شهدت به المقاومة في غزة، وحيّته أكثر من مرة.

جرب، يا سيد مقري، أن تعيش هذا التضامن الصاعد من قلب الشعب وروحه في الجزائر، قبل أن تقترح علينا “الثورة” في المغرب. حاول فقط، وناضل على هذه الجبهة، وبعدها تعال لنناقش معك تصوراتك وأوهامك عن الأوضاع في المغرب.

النضال على جبهة توسيع الحريات ورفع القمع عن الشعب الجزائري سيكون أجدى وأنفع لك، وللشعب، ولفلسطين. جرّب فقط، وردّ علينا…

المطلوب من السيد مقري وأمثاله أن يبذلوا جهودهم في تنظيف بيوتهم، وترك المغرب وشأنه، فأهل المغرب أولى وأدرى بشعابه، وتعقيداته، وتحالفاته.

*سياسي وجامعي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *