يقول محمد بودن، الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة، في الحوار التالي، إن الموقف البريطاني الجديد من النزاع المفتعل في الصحراء المغربية يقفز بالعلاقات الثنائية إلى مستويات رفيعة، ويجعلها نموذجًا للعلاقة بين ملكيتين عريقتين في إطار التعاون شمال – جنوب.

حاوره: جمال بورفيسي

1- كيف تقيمون دعم المملكة المتحدة لمقترح الحكم الذاتي؟

دعم المملكة المتحدة لمخطط الحكم الذاتي واعتباره الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية لتسوية النزاع، يمثل نقطة تحول فارقة في مسار ملف الصحراء المغربية، وامتدادًا لحقبة المواقف الاستثنائية المعبر عنها من طرف القوى الدولية الكبرى منذ القرار الأمريكي سنة 2020، والموقف الإسباني سنة 2022، ثم الموقف الفرنسي سنة 2024، فضلًا عن مواقف قوى إقليمية تنتمي لفضاءات جيوسياسية مختلفة.

2- ما هي الرسائل المستخلصة من الموقف البريطاني من قضية الوحدة الترابية؟

يمكن استخلاص ثلاث رسائل من هذه الانعطافة التاريخية:

أولًا: الموقف البريطاني الجديد يقفز بالعلاقات إلى مستويات رفيعة، ويجعلها نموذجًا للعلاقة بين ملكيتين عريقتين في إطار التعاون شمال – جنوب.

ثانيًا: إن الدعم البريطاني للمصالح العليا للمملكة المغربية يعكس التفكير المشترك بين البلدين، ووجود رؤيتين تلتقيان في المنفعة المتبادلة ودفع السلام والازدهار.

ثالثًا: الأمر يتعلق بمؤشرات موثوقة وبوادر واضحة للحسم النهائي، وأتصور أن الجزائر، إذا ما قامت بإجراء تقييم موضوعي لهذه الإرادة الدولية الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي ولحصيلة نهجها المعزول عن مجريات الأمور، وإذا ما أخذ صانع القرار الجزائري خلوة لدراسة محاور مبادرة الحكم الذاتي بروية وعقلانية، فإن احتمال التحاق الجزائر بركب القوى الدولية الكبرى المقتنعة يبقى قائمًا، ولا يمكن إدراجه في خانة سابع المستحيلات.

ومن المؤكد أن تصرف المملكة المتحدة وفقًا لهذا الموقف على الأصعدة الثنائية والإقليمية والدولية، يعكس التزامًا بالعهود، ويضع لبنة جديدة ضمن رؤية دولية تصب في تكريس سمو مبادرة الحكم الذاتي كأرضية صلبة للتسوية في أفق الاستحقاقات الأممية القادمة.

3- ما هي الدلالات التي يجسدها موقف المملكة المتحدة؟

لقد أظهرت المملكة المتحدة اهتمامًا صريحًا بالمملكة المغربية، وهذا مرتبط بالمصالح المشتركة، لا سيما الاقتصادية منها، في المسائل المتعلقة بالاستثمار والطاقة والزراعة وغيرها من القطاعات التي كانت موضوعًا لإطار اتفاقي بين البلدين.

لقد أصبحت الحقائق الدامغة للموقف السيادي المغربي قاعدة ثابتة في تصرفات عدد من الدول، وهذا عنوان رئيسي اليوم للعلاقات الدولية للمملكة المغربية.

وبالنظر إلى سياقات وتوقيت الموقف البريطاني الجديد، يمكن الحديث عن أربع دلالات:

أولًا: الموقف الجديد الداعم لمبادرة الحكم الذاتي صادر عن مدرسة دبلوماسية بريطانية عريقة، معروفة بقاعدة واقعية شهيرة تقول:

“If you can’t beat them, join them.”

وتعني باللغة العربية: “إذا لم تستطع هزمهم، فانضم إليهم.”

ثانيًا: موقف المملكة المتحدة هو ثمرة من ثمار دبلوماسية المبادرة الملموسة التي أطلقها جلالة الملك، وهو انعكاس لرسالة الرباط التي جعلت من الصحراء المغربية النظارة التي تقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات. وبالتالي، فالأمر يتعلق برسالة قوية حول تأثير المملكة المغربية في كبريات عواصم القرار العالمي.

ثالثًا: تكمن القيمة الاستراتيجية لموقف المملكة المتحدة في طبيعة الأدوار الكبرى التي لطالما لعبتها لندن في تشكيل القرار العالمي والعمل الخارجي بعدد من المجالات الجيوسياسية، وبالنظر إلى كونها من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (P5)، فضلًا عن دورها القيادي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، ورابطة الكومنولث التي تضم 56 بلدًا من مختلف القارات، إضافة إلى أدوارها الرئيسية في حلف الناتو، ومجموعة السبع، ومجموعة العشرين.

رابعًا: الموقف البريطاني يأتي بعد أقل من سنة على تولي زعيم الحزب العمالي، كير ستارمر، رئاسة الوزراء، كما يأتي في سياق مثالي قبل الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة بعدة أشهر، وفي سياق خمسينية النزاع الإقليمي المفتعل، ومن شأنه أن يمثل حافزًا للأمم المتحدة والأطراف المعنية في أفق أكتوبر القادم.

محمد بودن – الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *