“حياة الماعز فوق الموتور”، هكذا وصف أحد مستخدمي شركات توصيل الطلبات علاقتهم بالشركات المهيمنة على السوق، في تعبير صادم لواقعٍ صدحت به أصوات عديدة، قبل أن يفضح مجلس المنافسة ممارسات إحدى هذه الشركات، والتي تستغل وضعها المهيمن لتعزيز قبضتها على السوق وعلى المستخدمين.
* جريدة le12-محمد نبيل
مجلس المنافسة يدخل على الخط
أعلن مجلس المنافسة، أمس الأربعاء، عن تبليغ مؤاخذات بخصوص ممارسات منافية لقواعد المنافسة في سوق المنصات الرقمية لطلب وتوصيل الوجبات، على المستويين الوطني والمحلي، إلى شركة تنشط في هذا المجال.
وأوضح بلاغ للمجلس أن هذا التبليغ، الذي يأتي طبقاً لأحكام المادة 29 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، يُعدّ بدايةً للمسطرة الحضورية، بما يضمن للطرف المعني ممارسة حقوق الدفاع المكفولة له.
وأشار البلاغ إلى أن المجلس، في إطار اختصاصاته المنصوص عليها في الدستور، والقوانين المنظمة لحرية الأسعار والمنافسة، قرر بتاريخ 19 فبراير 2024 فتح تحقيق في شبهات ممارسات منافية للمنافسة داخل هذا السوق الرقمي.
وتوصلت المصالح المختصة للمجلس، بعد انتهاء التحقيقات، إلى وجود قرائن قوية تفيد بارتكاب ممارسات غير قانونية، تتعلق أساساً بـ:
•الاستغلال التعسفي للوضع المهيمن في السوق،
•استغلال حالة التبعية الاقتصادية للشركاء التجاريين،
•اعتماد أسعار منخفضة بصورة تعسفية تضرّ بالمنافسين.
وأكد البلاغ أن تبليغ هذه المؤاخذات لا يمسّ بالقرار النهائي، الذي سيصدره المجلس بعد استكمال المسطرة الحضورية، مع احترام تام لحقوق الدفاع، وعقد جلسة لمناقشة القضية والتداول بشأنها.
عمال التوصيل في قبضة الاستغلال
أصبح عمال التوصيل مشهداً مألوفاً في شوارع المملكة، يسابقون الزمن لتوصيل الطلبات، سواء كانت وجبات غذائية أو مقتنيات أخرى. ومع ذلك، قلّما يلتفت أحد إلى ظروف اشتغال هؤلاء الشباب، الذين يشتغلون خلف التطبيقات الذكية التي تسهّل حياة الآخرين.
في شهادات توصل بها موقع le12.ma، يروي عدد من عمال التوصيل معاناتهم اليومية، من ضمنهم حاملون لشهادات عليا، وآخرون يتقنون عدة لغات. حلمهم في بداية مشوار مهني اصطدم بجدار الواقع القاسي، حيث وجدوا أنفسهم تحت رحمة شركات استغلت رغبتهم في العمل لتفرض عليهم شروطاً أقرب إلى “العبودية المعاصرة”.
تكاليف على حسابهم الخاص
بحسب الشهادات، يُجبر عمال التوصيل على اقتناء الدراجة النارية، وتحمل نفقات الوقود والصيانة، بل وحتى في حال وقوع حوادث سير أثناء العمل، لا يحظون بأي دعم أو تأمين من الشركة.
دعاية مجانية… وإجبارية
تفرض الشركات على هؤلاء العمال ارتداء سترات تحمل شعارها، ونقل صناديق الطلبيات التي تتضمن الهوية البصرية لها، دون أي مقابل مادي، بل يُطلب من العامل اقتناء هذه الوسائل كشرط للالتحاق بالعمل، ما يُعدّ شكلاً آخر من الاستغلال الممنهج.
غياب الحماية الاجتماعية
لا عطلة أسبوعية، ولا أجر مضمون، إذ إن عدم العمل ليوم واحد يعني خسارة مدخول ذلك اليوم. كما تفرض الشركات أوقات عمل غير محددة، ما يجعل من المستحيل التوفيق بين العمل والحياة الخاصة أو الدراسة أو أي نشاط آخر قد ينهض بوضعية الشاب.
شبح الطرد ومصادرة الحق النقابي
يحكي بعض العمال عن تعسف الشركات في تسريح من يجرؤون على المطالبة بتحسين ظروف العمل، ويتم استبدالهم بعمال جدد يسهل استغلالهم في بداية مشوارهم. وتبقى حرية الانتماء النقابي من المحرمات، حيث يُعرض العامل للطرد لمجرد رفعه مطلباً بسيطاً لتحسين الأوضاع.
أسئلة تنتظر إجابات
تُطرح أسئلة ملحة حول مدى احترام هذه الشركات لقانون الشغل المغربي، ومدى مراقبة السلطات لها، خاصة فيما يتعلق بحماية الحقوق الأساسية لهؤلاء الشباب، الذين باتوا العمود الفقري لهذا الاقتصاد الرقمي المتوسع، لكنهم لا ينالون من مداخيله سوى الفتات.