في مفارقة دالة، يظهر أن المعارضة لا تجد ما تهاجم به الحكومة سوى الترويج لخطاب “غياب الانسجام” داخل الأغلبية، وهو خطاب لا يصمد أمام المعطيات الواقعية التي تبرز انسجامًا واضحًا في الأداء الحكومي، مقابل إرتباك بنيوي داخل صفوف المعارضة.
جمال بورفيسي
بغضّ النظر عن مضمون العرض الذي قدّمه رئيس الحكومة، أمس الثلاثاء، بمجلس المستشارين في إطار الجلسة الشهرية حول موضوع “الحماية الاجتماعية”، والذي تضمّن معطيات رقمية حول الجهد الاستثنائي الذي تبذله الحكومة في المجال الاجتماعي، ونجاحها في رفع تحدي إرساء دعائم الدولة الاجتماعية، فإن الحكومة بعثت، من خلال المناسبة ذاتها، رسالة سياسية واضحة إلى المعارضة البرلمانية، مفادها تشبثها بمنطق التضامن الحكومي، واستمرارها في العمل المشترك إلى آخر لحظة من عمر الولاية التشريعية الحالية، مفنّدة بذلك المزاعم المتداولة حول غياب الانسجام داخل الفريق الحكومي.
وجّهت أحزاب التحالف الحكومي، من خلال الحضور الوازن لأعضائها خلال الجلسة المخصصة لمساءلة رئيس الحكومة حول السياسات العمومية، رسالة ذات دلالة قوية إلى المعارضة، مفادها أن التحالف الحكومي متماسك ومنسجم، في مقابل معارضة مفككة، تنخرها الصراعات الشخصية وتغليب المصالح الذاتية، وهو ما تجلى، بحسب المراقبين، في فشل ملتمس الرقابة الأخير.
الحضور المكثف لوزراء الحكومة وكتاب الدولة، وعلى رأسهم وزير العدل عبد اللطيف وهبي، ووزير النقل واللوجستيك عبد الصمد قيوح، ووزير الصحة أمين التهراوي، وغيرهم، في جلسة تمحورت حول الحماية الاجتماعية، قدّم صورة لحكومة متماسكة تشتغل بنفس الالتزام الذي باشرت به مهامها منذ التشكيل، مؤكدةً استمرارها في تحمل مسؤولياتها إلى نهاية الولاية، ضمن سياق تضامني واضح.
وقد أبان هذا الحضور عن حسّ عالٍ من المسؤولية والنضج السياسي في مواجهة معارضة، وُصفت من قبل العديد من المتابعين، بأنها تثير “الشفقة”، لعجزها عن تقديم أي إضافة نوعية للعمل البرلماني خلال هذه الولاية، في ظل غياب رؤية منسجمة أو مشروع بديل يؤطر عملها كمعارضة بنّاءة ومسؤولة.
وتبدو المعارضة، وفقًا لذات القراءة، تائهة وبدون بوصلة سياسية واضحة، وهو ما انعكس في فشلها في تقديم ملتمس رقابة لإسقاط الحكومة. لكن السقوط، كما يرى بعض المحللين، لم يكن من نصيب الحكومة، بل من نصيب المعارضة نفسها التي أظهرت حجم الهشاشة والانقسام الذي يسود بين مكوناتها. وبدل أن تتحول مبادرة الملتمس إلى تمرين ديمقراطي جاد، تحولت إلى ساحة للتراشق الكلامي وتبادل الاتهامات والتصفية السياسية.
وفي مفارقة دالة، يظهر أن المعارضة لا تجد ما تهاجم به الحكومة سوى الترويج لخطاب “غياب الانسجام” داخل الأغلبية، وهو خطاب لا يصمد أمام المعطيات الواقعية التي تبرز انسجامًا واضحًا في الأداء الحكومي، مقابل ارتباك بنيوي داخل صفوف المعارضة.