سلسلة ماذا لو الجزء العاشر تقدم قراءة تحليلية في مشهد التصدع الحركي وفرضية نهاية زعامة بلا مشروع. تحت عنوان: ماذا لو تم ‘كرط’ أوزين من السياسة عامة؟

*ميمونة الحاج داهي

“حين تُفرغ الزعامة من الفكرة، تتحول إلى تمثيل سيكولوجي للسلطة، لا إلى قيادة سياسية للمجتمع.”

– جان فرانسوا بيرتون، عالم السياسة الفرنسي

لم يكن المشهد الحركي يحتاج إلى مجهر ليرى التشققات تتسع منذ أن تَصَدّر محمد أوزين قيادة حزب الحركة الشعبية . 

كانت كل مؤشرات الفعل السياسي تدل على شيء واحد: الحزب دخل نفق الزعامة الشخصية بدل الأفق الجماعي، شأنه شأن أغلب الأحزاب السياسية بهذا البلد، تحوّل إلى ما يشبه “الممتلك السياسي”، تتقاسمه أرواح مشتبكة: أوزين بظلال الكراطة، وحليمة العسالي بـ”حنان” القبضة. 

ومن ثنائية القوة تلك، تولد هشاشة لا تلبث أن تنفجر. 

وها نحن أمام انفجار صغير في طريق التشظي الكبير: انشقاقٌ، وحزب جديد، وملفات تأسيس و”إعادة تعريف”.

أطرح السؤال بصوت مسموع، كما تعودت أن أفعل معكم:

ماذا لو تم “كرط” أوزين من السياسة؟ لا كعقوبة، بل كاستنتاج طبيعي لزمن استهلك فيه السياسي نفسه حتى النخاع؟.

لنتأمل.

بداية، أوزين ليس استثناء. هو نموذج مألوف في السياسة المغربية: سياسي صعد بسرعة، ارتبط بفضيحة الكراطة، ثم عاد بإصرار غريب كأن لا شيء حدث. 

لكنه لم يعد بنفس الطريقة، بل بواقعية انتهازية تؤمن بأن نيل الولاء داخل الحزب أهم من الإقناع خارجه. 

ولأنه عاد بلا مشروع، كان عليه أن يمسك الحزب، لا أن يقوده. أن يتحكم فيه، لا أن ينفتح به.

ومع الوقت، بدأ الحزب ينكمش على ذاته، يتآكل من الداخل، يتنكر لخطابه الشعبي، ويتحول إلى ملحق سياسي لتحالفات رمادية لا يُفهم منها شيء. 

لا تَصَوُّر اقتصادي واضح. لا تموقع اجتماعي صلب. لا نَفَس تجديدي يُشعِرُ الحركيين أنهم في قلب الزمن السياسي. 

فقط خطابات مناسباتية، وأحاديث عن “التموقع”، وملفات هنا وهناك لاقتناص المناصب.

في علم السياسة، حين تفقد الأحزاب وظيفتها التمثيلية، تنهار من الداخل قبل أن تنهار أمام الناخب. 

وهذا بالضبط ما حدث: الانشقاق ليس خيانة كما يُسوّق له، بل فعل سياسي احتجاجي في غياب أفق. 

حين لا يعود الحزب فضاءً لإنتاج المعنى، يتحول إلى قوقعة فارغة لا تسع حتى نفسها.

فماذا لو انتهى أوزين الآن؟.

من سيرث الحزب؟ أو بالأحرى: هل تبقّى شيء يُورث أصلًا؟.

هل يمكن ترميم ما كُرّط من الشرعية والثقة والمصداقية؟.

دعونا لا نكون عاطفيين. 

أوزين جزء من ظاهرة أشمل: تآكل الوساطة الحزبية بسبب التمركز حول الأشخاص بدل الأفكار. والنتيجة؟ مناضلون يُهاجرون، ومناضلات يُهمّشن، وناخبون ينسحبون في صمت.

لكن، في المقابل، قد يكون هذا “الكرط الرمزي” فرصة نادرة لإعادة بناء الحركة الشعبية لا كحزب زعامات، بل كمساحة لتجديد الصلة مع مغرب الجهات والهامش والشباب. 

المغرب الذي لا يزال ينتظر خطابًا سياسيا يتحدث بلغته، ويمشي على رجليه لا على كراطة.

وإن لم يحدث هذا الآن، فإن حزب أوزين أو ما تبقّى منه  سينزلق نحو هامش الهامش، ويتحول إلى مجرد ذكرى في سجل السياسة المغربية.

شاركت معكم هذا، لأني اخترت التفكير بصوت يسمعه الجميع .

*كاتبة سياسية 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *