في الوقت الذي تسعى فيه حكومة عزيز أخنوش، عبر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى مواصلة مراجعة أسعار الأدوية لتكون أكثر ملاءمة للقدرة الشرائية للمواطنين، أعلنت نقابات الصيادلة رفضها لهذه التوجهات، بدعوى “غياب المقاربة التشاركية”.
*جمال بورفيسي
وأثار إعلان وزير الصحة، أمين التهراوي، أمس الإثنين، بمجلس النواب، عن مراجعة منظومة تسعير الأدوية، موجة من الغضب في صفوف الصيادلة، حيث لم تتأخر كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب في الرد، منتقدة ما وصفته بـ”تغييب التمثيليات المهنية في المشاورات الجارية، رغم كونها طرفاً أساسياً في المنظومة”.
واعتبرت الكونفدرالية أن “مراجعة تسعير الأدوية تحت ذريعة الحفاظ على التوازن المالي لصناديق التأمين تعكس رؤية محاسباتية ضيقة، تغفل البعد الاستراتيجي لقطاع الصيدليات”، مشيرة إلى أن “ثلث صيدليات المملكة مهددة بالإفلاس”.
وطالبت الكونفدرالية الوزارة بـ”وقف كل الإجراءات الرامية إلى مراجعة المرسوم رقم 2.13.852 والقانون 17.04، إلى حين إطلاق حوار تشاركي حقيقي مع مختلف الفاعلين في القطاع”، مؤكدة في الآن ذاته انخراطها في أي إصلاح يهدف إلى تطوير المنظومة الصحية، شرط ألا يمس باستقرار قطاع الصيدليات أو يُهمّش أدوارها الدستورية. ولوّحت بـ”اللجوء إلى كافة الأشكال النضالية للدفاع عن حقوق الصيادلة”.
الوزير يؤكد: مراجعة الأسعار هدفها التوازن والإنصاف
من جانبه، أعلن الوزير أمين التهراوي أن الوزارة أطلقت مساراً لمراجعة نظام تسعير الأدوية بهدف تحقيق التوازن بين القدرة الشرائية للمواطنين، وتشجيع الولوج إلى الأدوية المبتكرة، وضمان استدامة التغطية الصحية.
وقال، خلال الجلسة الأسبوعية لمجلس النواب، إن الوزارة تعمل على بلورة تصور جديد لتسعير الأدوية “في إطار تشاركي مع كافة الأطراف المعنية”، مؤكداً أن هذا التصور يسعى إلى اعتماد تسعيرة عادلة وشفافة تستند إلى مرجعيات دولية، مع احترام الخصوصيات الوطنية.
وأضاف أن مشروع المرسوم المتعلق بمراجعة منظومة تحديد أسعار الأدوية بلغ مراحل متقدمة، وسيُعرض قريباً على مسطرة المصادقة، مشيراً إلى أنه يهدف إلى “ترشيد نفقات التأمين الصحي من خلال تركيز آليات التقنين على الأدوية المعوض عنها أو ذات النجاعة المثبتة، مع تقليص الكلفة المباشرة على الأسر وتعزيز الأمن الدوائي”.
جهود سابقة لتخفيض الأسعار
وكانت الحكومة قد باشرت في السنوات الأخيرة مجموعة من قرارات تخفيض أسعار الأدوية، آخرها في أبريل الماضي، حيث أعلنت وزارة الصحة عن تخفيضات جديدة شملت أدوية مستعملة في علاج الأمراض المزمنة والمكلفة مثل السرطان والاكتئاب الحاد.
وتأتي هذه التخفيضات في إطار المرسوم رقم 2.13.852 الصادر في 14 صفر 1435 (18 ديسمبر 2013)، المتعلق بشروط وكيفيات تحديد أسعار بيع الأدوية المصنعة محلياً أو المستوردة، خاصة المواد 12 و14 و15.
ويُذكر أن عدة تقارير رسمية وغير رسمية خلصت إلى أن أسعار الأدوية في المغرب تبقى مرتفعة مقارنة بعدد من الدول، بما فيها بلدان متقدمة، ما يعزز الحاجة إلى مراجعة المنظومة التسعيرية الحالية.
لقجع: أرباح مبالغ فيها على حساب المواطنين
وفي السياق ذاته، كان الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، قد انتقد في يناير الماضي هوامش الربح المرتفعة التي تفرضها بعض الصيدليات، قائلاً إن بعض الأدوية تصل للمستهلك بأسعار تفوق 300 في المائة من سعر الاستيراد، وهو “أمر غير مقبول”، على حد تعبيره.
وأكد لقجع، خلال يوم دراسي نظمه الاتحاد العام لمقاولات المغرب حول مستجدات قانون المالية لسنة 2025، أن الأدوية تمثل عبئاً ثقيلاً على أنظمة الضمان الاجتماعي، لافتاً إلى أن الحكومة أحرزت تقدماً ملحوظاً في إصلاح القطاع، ضمنه مشروع إحداث الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية.
الخلاف بين الوزارة ونقابات الصيادلة لا يقتصر على التفاصيل التقنية لتسعير الأدوية، بل يعكس توترًا بنيويًا بين منطق الدولة الساعية إلى تخفيف الضغط المالي على الأسر وأنظمة التأمين، وبين الصيادلة الذين يعتبرون أنفسهم ضحية إصلاحات تغيب عنها العدالة المهنية. في ظل هذا الجدل، يبقى المواطن المغربي في صلب المعادلة، منتظراً دواءً فعالاً بسعر معقول.